كعادتي أرتدي ملابس الحذر كلّ يوم و انتعل حذائي الأسود الجميل و أضع كتبي و مجلاتي و عددا من كتاباتي فوق المكتب و أرسم قبلة لوجهي على المرآة حتى أطرد الخوف من المستقبل عن ملامحه
كعادتي استقبل نسمات وطني بشغف رغم مآسيه الكثيرة و أضيق ذرعا من حجم النفايات الملقاة في الشوارع و حذو الأرصفة القديمة
كعادتي أستأنف حديثي بترشف القهوة العربية الساخنة في المقهى مع ابناء وطني بكلّ ما يحملونه من صخب و فوضوية و لامنطقية في الكلام و مع هذا أحب حديثي إليهم
كعادتي أتصفح الجريدة و أؤلف قصصا من الامتعاض و الغضب من حكامنا البائسين و الفاشلين فوق قسمات وجهي فأقطب حاجبي و أنفخ كالتنين لا كالطير الجريح
كعادتي أضحك
كعادتي أبكي حين تلتئم علي الظروف القاسية و تزعجني جيوبي الخاوية من النقود
كعادتي ابحث عن صديق أشكو أليه تعاستي بالبقاء في الوطن المنكوب و في آخر الحديث عن دول الخليج و أوروبا و الأمريكيتين أجلجل بحب البقاء في أرضي
كعادتي أتدحرج من أعالي السعادة العابرة لأترجم رواية لصدمة اجتماعية ما في الميترو
كعادتي أحلم أن أصبح مثقفا معروفا و مشهورا و يحزنني بكاء المثقفين على صفحات الجرائد
كعادتي أسعى إلى أن أصير شخصا محظوظا لأتضرّع إلى الله بكل الصلوات و الدعاء
كعادتي أرى في تقلبات المجتمع البائس تقلباتي النفسية و مزاجي العكر في السوق و الشارع
كعادتي أفقد البصر حين أرى المتسولين في الطريق و يفقدني مشهد انغماسهم في القمامة للبحث عن قوارير البلاستيك كلّ حواسي
كعادتي أصمّ أذني حتى لا أسمع ترهات المناوئين و التعبير الممل و المبالغ فيه لبعضهم عن ميولهم و انتماءاتهم الحزبية المقدسّة
كعادتي أفيق من أحلام اليقظة لأبحث عن نظارتي
أضعها لأرى الواقع المرّ .
أبو نظارة التونسي
سميّة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire