lundi 11 août 2014

تونس.. أين المفرّ من شظايا الأزمة الليبية؟

فتحت تونس حدودها مؤخّرا أمام تدفق عدد كبير من العائلات الليبية الهاربة من المعارك الضارية في شرق البلاد ، غير أنّ الوضع الأمنيّ و الاقتصاديّ و الاجتماعيّ التونسيّ في الآونة الأخيرة قد شهد صعوبات عدّة ممّا جعل جملة من التخوفات تسيطر على التونسيين ترجمتها وسائل الاعلام إلى اطلاق صرخات فزع حول امكانية حدوث مزيد من التدهور على المستوى الأمنيّ بالخصوص في ظلّ ما تشهده تونس من حرب ضروس على الارهاب في الشقّ الغربي من البلاد، اضافة إلى حالة من التململ على المستوى الاقتصاديّ و الاجتماعيّ فهل لتونس من مفرّ من شظايا الأزمة الليبية ؟

فرار الليبيين إلى الحدود التونسية لم يكن فرارا من الموت المحتمل وحده بل هربا من تبعات واقع سياسيّ متأزّم يعصف بالبلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات لا ينمّ سوى عن تناحر ليبيّ- ليبيّ قضى على الأخضر و اليابس في البلاد ويتوقّع أن يستمرّ لسنوات طوال، إذ تفاقمت الأزمة السياسية في الآونة الأخيرة لتفتح المجال أمام تقاتل مسلّح في مدينة بنغازي الليبية و تدمير لطائرات رابضة في المطارات و اضرام النّار في مستودعات للنفط والغاز في العاصمة طرابلس أطلقت  الحكومة الليبية المؤقتة على إثرها نداءات إلى المجتمع الدولي لمساعدتها على إخماد تلك الحرائق الهائلة .


خيوط الأزمة الليبية ؟
لا يخفى على المتابع للمشهد الليبيّ ما عاشته البلاد مؤخّرا من انتقال الصراع الدّائر حول النفوذ و الثروة الليبية من مربّع التناحر السياسي إلى مربّع الاقتتال المسلّح الذي وضع ليبيا المتأرجحة على حبال الحرب و الهدنة بين كتائبها المسلحة - منذ سقوط نظام معمّر القذافي-  على شفى هوّة سحيقة هي و لا ريب الحرب الأهليّة.

و يفسّر المراقبون للصراع الدائر في الشقيقة ليبيا بأنّه ترجمة واضحة لفشل النخبة السياسية المحلية في إدارة مرحلة صعبة و دقيقة في تاريخ البلاد أي مرحلة الانتقال الديمقراطيّ دون الوقوع في صدامات فئوية بين أحزاب سياسية و منظمات تعيش صراعها من أجل الهيمنة و البقاء في الحكم رغم الدعوات الكثيرة إلى فضّ المشاكل الليبية بلغة الحوار و بالحلول السياسية الممكنة. و بعد مرور البلاد بفترة تململ و انتكاس يبدو أنّ الوضع قد تعفن في ظلّ غياب حكومة قوية ومتجانسة، ولتمترس الكثير من السياسيين خلف الميليشيات، واعتمادهم على ثقل كتائبهم في الشوارع الليبية دون أن يولوا أهمية لمنطق الأفكار والبرامج السياسية في إقناع المواطن الليبي واستقطابه تأهبا للمحطات السياسية القادمة.

إذ يسجّل المشهد الليبيّ اقتتال طرفين أساسيين على الأرض حيث يتبنى الطرف الأول قضيّة الدّفاع عن ما يسميه " ثورة 17 فيفري 2011" ويتمثل في "كتائب مصراتة والخمس وزليتن وطرابلس ومسلاتة وغريان وجنزور والزاوية وبعض من ثوار سرت وبني وليد و هي تلك الكتائب التي يصفها الصحفي الليبي، يوسف الصادي مدير تحرير صحيفة "الوطن"، بأنّها كتائب لا تستند إلى خلفية إيديولوجية معينة، بل تدافع عن ما أسماه "الحرية والعدالة الاجتماعية ".

ويشير الصادي في تصريح له لقناة فرانس 24 إلى أنّ هذه الكتائب التي تقاتل تحت إمرة وزارة الدفاع و التي تصبو إلى بناء دولة العدالة والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة قد دخلت في مواجهة شرسة مع الطرف الثاني في المعركة و المتمثّل في قوات اللواء حفتر المشكلة من كتائب "القعقاع و الصواعق والمدني" مؤكّدا على أنّ تصريحات حفتر بمحاربته للإسلاميين المتشددين هو محض إدّعاء و أنّ توجهه إلى بنغازي -التّي يتواجد بها أكبر عدد من مقاتلي أنصار الشريعة- كان بهدف السيطرة على ثاني أكبر مدينة ليبية، بغية "الانقلاب على الثورة"، ومحاولة "تطبيق السيناريو المصري في ليبيا" متهمّا حفتر بتلقي الدعم من أحمد قذاف الدم، ابن عم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.

و بالرّغم من أنّ الحكومة الليبية قد عبرّت مؤخّرا من خلال تصريحات وزير خارجيتها، عن رغبتها في اقحام الجيشين المصري و الجزائري بحثا عن استتباب الأمن في ليبيا إلا أن الليبيين الذّين عاشوا ويلات تدّخل القوات الأجنبية و قوات حلف الناتو سابقا –حسب بعض المصادر- لا يرحبون بفكرة الحكومة كما أنّ البلدان الغربية حاليا لا تبد في ظلّ تعفنّ الأزمة الليبية حماسا للتورط في تدخلّ عسكريّ مباشر في البلاد مكتفية بإجلاء دبلوماسييها من ليبيا نحو التراب التونسيّ.

تونس بين فكيّ الأزمة الليبية و غول الارهاب

رغم أنّ لليبيا حدودا مع دول عديدة إلاّ أنّ الليبيين يرون في تونس المرفأ المناسب للاستقرار بعيدا عن أجواء الصراع الدامي في مدنهم خاصّة و أنّ للأشقاء الليبيين تجربة سابقة لم تترك في نفوسهم سوى كلّ امتنان للدّولة التونسيّة و كلّ احترام و تقدير للشعب التونسيّ الذّي احتضنهم في فترة اسقاط نظام معمّر القذّافي و ما بعدها و تشير بعض المصادر الاعلاميّة إلى أنّ عدد الليبيين الوافدين إلى التراب التونسيّ قد تجاوز المليون و 900 ألف مواطن ليبي اضافة إلى عدد كبير من الأجانب وخاصة منهم المصريين الأمر الذّي أدّى إلى اصدار وزراتي الدفاع الوطنى والداخلية لبلاغ مشترك مؤخّرا تضمنّ دعوة للتونسيين والأجانب القادمين من التراب الليبى الى  الالتزام بالدخول الى التراب التونسى عبر البوابات الرسمية أي راس جدير والذهيبة وتطبيق التعليمات الصادرة عن السلطات التونسية لتسهيل عملية العبورو الترحيل .

أمّا بخصوص الوضع الذّي تعيشه بلادنا حاليّا فقد جاءت تصريحات وزير الخارجية التونسيّ في البدء لتعلن عن امكانية غلق الحدود مع ليبيا حيطة من تفاقم الوضع الأمني خاصّة و أنّ جنسيات أخرى حاولت اقتحام الحدود التونسية بالقوّة و أنّ الوضع الأمني الذّي تعيشه البلاد قد جعل وحدات الجيش التونسيّ تتموقع على أكثر من جبهة حماية لسلامة المواطن و حفاظا على استتباب الأمن رغم أهوال ما يعيشه الجنود في جبل الشعانبي من استهداف لوحداتهم خلّف عديد الشهداء و الجرحى .

و قد قامت الوحدات الأمنية التابعة لإقليم الشرطة بقابس  مؤخرّا  بإيقاف مواطن ليبي بحوزته كمية كبيرة من الذخيرة الحية حسب موقع إذاعة شمس ألإ أم، و قد عبرّت السلطات التونسية من تخوفاتها من عمليات تهريب الأسلحة من التراب الليبيّ عبر الحدود الليبية التونسية و نقل الصراع الدائر في المناطق الليبيبة إلى التراب التونسيّ.

و تناقلت وسائل الاعلام في الآونة الأخيرة أخبارا في نفس السياق و منها جريدة "البلاد الجزائرية" التي نقلت عن مصادر استخباراتية، أنباء عن ابرام اتفاق بين جهاديين من ليبيا ينتمون لأنصار الشريعة وعناصر من تنظيم "داعش" يقضي بترحيل مقاتلي داعش إلى دول المغرب العربي  لدعم أنصار الشريعة المتواجدة في تونس و هو ما يؤكّده الباحث التونسي رياض الصيداوي في تصريح له لجريدة القدس العربي من أن ليبيا قد تحولت إلى «بؤرة» لتصدير الإرهاب نحو دول الجوار والعالم، مشيرا إلى أن السلاح الليبي استُخدم في العمليات الإرهابية بتونس وتم تهريبه إلى عدة دول في العالم.
مطرقة غلاء الأسعار و سندان مخاوف المجتمع

أمّا في المستوى الاقتصاديّ فلا يبدو أنّ الوضع يدعو إلى الاطمئنان إذ أنّ توافد عدد كبير من العائلات الليبية خاصّة على ولايات الجنوب الشرقيّ قد أحدث حالة من التململ في صفوف التونسيين و السكّان الأصليين للبلاد إذ لا يخفى على أحد أنّ للمواطن الليبي القدرة على دفع مبالغ هائلة مقابل شراء منزل أو كراء عقار للسكنى في أيّ منطقة من مناطق الجمهورية التونسية مهما كانت قيمة العقار و هو ما أحدث نفورا واضحا لدى سكان مدينتي صفاقس و جربة و سوسة الذّين رأوا في توافد الليبيين إلى مدنهم مجلبة لغلاء كبير في أسعار الكراء و قطعا للطريق أمام التونسيين من عمال و طلبة إذ لا يملك هؤلاء  نفس الامكانيات المادية للأشقاء الليبيين.

و وردت أنباء عن ارتفاع أسعار كراء المنازل بنسبة 250 % في مدينة صفاقس و أكدّ مسؤول بالاتحاد الجهوي للتجارة و الصناعة التقليدية بصفاقس في تصريح له على موجات إذاعة اكسبراس أف أم أنّ أسعار الموّاد المدعمّة قد شهد ارتفاعا رهيبا في الآونة الأخيرة كما عرف سعر كراء المنازل ارتفاعا جرّاء الضغط الذّي تشهده المنطقة نتيجة لتوافد الليبيين إلى المدينة في ظلّ جمود للنشاط التجاري في مستوى التصدير و التوريد من الجانب الليبيّ.
و هو ما لا يترك مجالا للشكّ من أنّ المواطن التونسيّ الذّي يعاني منذ ثلاث سنوات من ارتفاع مذهل للأسعار لن ينجو في ظلّ الظرف الحاليّ من تبعات الأزمة الليبية التّي ألقت بكلكلها على مستوى معيشته المترّدي خاصّة و أنّ التونسيّ الذّي ودّع مؤخرا نفات الشهر الفضيل  يتحضرّ اليوم لمصاريف العودة المدرسية و الجامعية دون أن ننسى اقتراب عيد الاضحى.

أمّا في المستوى الاجتماعي فتبدو تبعات الأزمة الليبية مصدرا هامّا من مصادر استبطان ثقافة العنف اللفظي و الماديّ في صفوف المواطنين الليبيين الذّين أمضوا سنوات من الاقتتال الداخليّ و مصدرا من مصادر الخوف أيضا لدى التونسيين إذ تناقلت وسائل التواصل الاجتماعيّ مؤخرّا أخبارا عن إلقاء ليبيين لفتيات تونسيات من طوابق البنايات الشاهقة في محاولة للتذكير بالفاجعة التي عاشتها عديد المدن التونسية و خاصة السياحية  في السنة الفارطة و منها مدينة سوسة التي شهدت في صائفة 2013 مقتل فتاة تونسية اثر إلقائها من قبل ليبيين من الطابق الثالث ناهيك ما احدثته حادثة حيّ النصر الشهيرة بالعاصمة من بلبلة في صفوف المطلعين على الخبر اضافة إلى ما تداولته وسائل الاعلام السنة الفارطة و منها موقع تانيت براس من تعرّض فتاة تونسية إلى الاغتصاب من قبل شاب ليبي بأحد المطاعم بمدينة أريانة و ما خفي كان أعظم !.

يبدو من خلال ما أسلفنا ذكره أنّ البلاد التونسية التي احتضنت الأشقاء الليبيين سنة 2011 لم تعد بقادرة على استعاب نفس الثقل الديمغرافي و تبعاته الأمنية و المعنوية و الماديّة وسط صرخات الأحزاب السياسية التي بدت مناوئة لمواقف الحكومة التونسية و مرحبّة بالأشقاء الليبيين رغم حالة التدهور التي تعيشها البلاد على كلّ المستويات، فأين المفرّ من تساقط شظايا الأزمة الليبية ؟ و هل من منفذ قريب للخلاص ؟


سميّة بالرّجب








داعش و أخواتها و في الأمر إنّ !

     لم تكتف التنظيمات الجهاديّة في الوطن العربيّ باتحافنا بجملة من التطورات و الأحداث المشوقّة التي تداولتها  نشرات الأخبار في شهر رمضان المنصرم حتّى أن البعض تندّر بأنّ أخبار "داعش" و أخواتها من التنظيمات الاسلامية الجهاديّة الاخرى  قد عوّضنا عن نقص فادح كنّا قد شهدناه هذه السنة في انتاج المسلسلات التاريخيّة في الشهر الفضيل، بل أنجبت هذه التنظيمات الجهاديّة تمثّلات رديئة و ظالمة لدى الرأي العام العالميّ إذ عزّزت مغامرات المقاتلين في سوريا و العراق و ليبيا بالخصوص صورة نمطيّة عن العرب و المسلمين لطالما كانت الورقة الرابحة في حروب الغرب على المنطقة العربية و الاسلاميّة.
قد تبدو كلمة "داعش" كلمة رنانة يحلو للبعض هذه الأيام التندّر بها و استعمالها في وصف ظرف نفسي معقّد أو حالة من الفوضى على المستوى الشخصيّ أو الوطني أو الاقليمي لكنّ الكلمة التي يحلو للكثيرين استعمالها في سياق التفكّه و الفذلكة على مواقع التواصل الاجتماعيّ و في المجالس الخاصّة قد تخفي وراءها واقعا مؤلما و خلفيات خطيرة قد يجهلها الكثيرون أو على الأقلّ قد لا يلقون إلى أغلب تفاصيلها بالا.
بطاقة هوية داعشيّة : 
يخيّل للبعض أن تنظيم داعش وليد تفكّك الجماعات المقاتلة و فرقتها على الاراضي السوريّة و خلافا لما يعتقده الكثير من المتابعين لأطوار الأزمة السورية مؤخرا بحداثة عهد التنظيم  إلاّ أنّ الواقع مغاير لذلك تماما إذ تشير المصادر إلى أنّ الولادة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام و هي التسمية التّي اشتقت منها للاختصار لفظة داعش كانت سليلة الأزمات المتتالية في العراق عقب سقوط نظام صدّام حسين البعثيّ سنة 2003.
 و تؤكّد المصادر أنّ الظهور الفعليّ للتنظيم كان سنة 2004 أي عقب الحرب الأمريكية على العراق و قد عمل هذا التنظيم تحت اسم "جماعة التوحيد والجهاد" ثم تحول الى ما يعرف بتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" و ذلك بعد تولي ابو مصعب الزرقاوي لقيادته سنة 2004 ومبايعته زعيم "القاعدة" السابق اسامة بن لادن، حاملا راية مقاومة القوّات الأمريكية على الاراضي العراقيّة .
وقد كثف هذا التنظيم الجهاديّ من عملياته آنذاك إلى ان اصبح واحدا من اقوى التنظيمات المسلحّة في الساحة العراقية لتنطلق مرحلة بسط نفوذه على مناطق واسعة من العراق إلى أن خرج الزرقاوي على الملا سنة 2006 في شريط مصور معلنا عن تشكيل مجلس شورى المجاهدين بزعامة عبدالله رشيد البغدادي.
 و اشتهر التنظيم الجديد ببث مقاطع فيديو على شبكة الانترنت تظهر اعدامات وقطع رؤوس في شكل استعراضيّ للقوّة بهدف بثّ الرعب في قلب كلّ من تسوّل له نفسه معارضة الفكر الدمويّ والتكفيريّ لهذا التنظيم.
  و تسجلّ الأحداث في الساحة العراقية ظهورا متواترا وخاطفا لقيادات هذا التنظيم إذ قتل الزرقاوي في الشهر نفسه من اعلانه عن تشكيل مجلس الشورى و بويع بعدها ابو حمزة المهاجر زعيما للتنظيم خليفة له في العراق.

وقد شهدت الشهور الأخيرة من سنة 2006 تشكيل تنظيم عسكري حاضن لكل التنظيمات المسلحّة ، ضمّ كل الجماعات الجهادية المنتشرة على الأراضي العراقية، لينبثق من تكتّل هذه الجماعات المسلحة ما عرف آنذاك "بالدولة الإسلامية في العراق" بزعامة أبو عمر البغدادي الذّي قتل بدوره في 19 أفريل 2010 في عمليّة نوعيّة للقوات الامريكية استهدفت منزله بمنطقة الثرثار بعد اشتباكات عنيفة راح ضحيتها أيضا مرافقه أبو حمزة المهاجر لينعقد مجلس شورى الدولة الاسلامية في العراق من جديد و يعلن اختياره لأبي بكر البغدادي زعيما للتنظيم بعد عشرة أيام فقط من إعلان مقتل أبي عمر و مرافقه.
و هو ما يحيلنا على تبلور تدريجيّ و تطوّر ممنهج لهذا التنظيم الارهابيّ الذّي يصبو إلى إعادة الخلافة الاسلاميّة و يهدف إلى الغاء كل النصوص و القوانين المنظمّة للمجتمع بإلغاء مفهوم المواطنة و إعادة مفهوم الرعيّة و تطبيق ما يسميه قياديو التنظيم أحكام *الشريعة الاسلاميّة* شأنه في ذلك شأن أغلب التنظيمات الجهادية أو لنقل أخوات "داعش" في انتهاج الفكر السلفي "المتطرف" كجبهة النصرة و الجيش الحرّ و تنظيم القاعدة في أفغانستان و المغرب العربيّ و أنصار الشريعة و غيرها من التنظيمات الجهادية الأخرى.
جذور في العراق و فروع في الشام :
اندلعت الأزمة السورية في 15 مارس 2011 لتفتح المجال أمام توافد عدد كبير من المقاتلين من مختلف الجهات و قد مثل الجوار العراقيّ جهة من أهمّ الجهات المزوّدة للجماعات المقاتلة لقوات الجيش السوريّ بالرّجال و العتاد إذ استغل البغدادي حالة الفوضى السورية و خروج مناطق عديدة في البلاد عن سيطرة النّظام البعثي السوريّ ليعلن دخوله على خط المواجهات في سوريا.
إذ وجد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وكباقي التنظيمات التكفيرية المسلحة والمرتبطة بالقاعدة أرضية خصبة في سوريا لممارسة سلطة بقوة السلاح على بعض المناطق المتمردّة على نظام بشار الأسد لتحقيق مكاسب على ارض المعارك و تكريس سياسة تكفيرية في المنطقة وتوسيع النفوذ.
و مثّل امتداد الحدود السورية الواسع مع العراق نقطة قوة بالنسبة إلى البغدادي الذّي دخل من شرق سوريا رافعا شعار"نصرة أهل السنة في سوريا" معلنا الحرب على النظام السوري العلويّ "الشيعيّ".

الدولة الاسلامية في العراق و النصرة ..زواج بالاكراه
 تشير بعض المصادر الاعلامية  إلى أنّ بداية ظهور القاعدة في سوريا كانت في أواخر سنة  2011 مع نشأة تنظيم "جبهة النصرة" بقيادة أبو محمد الجولاني إذ سرعان ما تغوّلت جبهة النصرة  لتصبح في غضون أشهر من أبرز الجماعات المسلحة في سوريا و قد تناقلت وسائل الاعلام العربية و الاجنبية أخبار الجبهة و نتائج عملياتها في المناطق السورية ليعطي ذلك صيتا كبيرا لهذا التنظيم المسلّح.
وبعيد إعلان النصرة لمبايعتها للظواهري و انضمامها إلى تنظيم القاعدة في أفغانستان ، انطلقت موجة من  التقارير الإستخباراتية والإعلامية لتؤكّد نشوء علاقة بين تنظيمي "النصرة" و "الدولة الإسلامية في العراق" لتتوضح معالم نفوذ تنظيم الدولة الاسلامية في العراق في الساحة السورية بشكل جليّ.
ليعلن أبو بكر البغدادي في رسالة صوتية بُثت عن طريق شبكة شموخ الإسلام و نقلتها قناة الجزيرة القطرية عن دمج فرع تنظيم جبهة النصرة مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ومن كلمة "شام" أوجدت تسمية جديدة للتنظيم هي و لا ريب "داعش" إذ تتبنى النصرة  على غرار تنظيم الدولة الاسلامية في العراق فكراً متشدداً تكفيرياً و هي أيضا تتبع على غراره نهج السلفية الجهادية.
 وكلا التنظيمين يؤمنان بضرورة قيام الدولة الإسلامية في الشام، إلا أن الفرق بين التنظيمين قد يكمن في مدى معرفة كلّ منهما بالواقع السوري ومراعاته لخصوصية المجتمع السوري المتعدّد الطوائف.
إذ لا يخفى على أحد أنّ النصرة عايشت المرحلة الأولى من الأزمة السورية في نهاية عام  2011 كما أسلفنا و هو الأمر الذي أكسبها خبرة ودراية لا بأس بهما بطبيعة المجتمع السوري الذي عاش الشعب السوري الفسيفسائي  لعقود طويلة في كنف دولة علمانية وهو ما يجعل جبهة النصرة حسب بعض المحللين الاستراتيجيين أقلّ تطرّفا و عداء من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق تجاه المجتمع السوري، إذ أنّ دخول هذا الأخير على الأزمة السورية جاء متأخرّا نوعا ما مقارنة بجبهة النصرة.
و قد تميزت سياسة التنظيم الوافد على الاراضي السورية في قلب أزمتها  بالغطرسة و فرض نفوذ التنظيم بالقوة و ارغام الناس على القبول به في المناطق التي سيطر عليها .
وعلى الرغم من عقد النكاح المبرم على مضض بين جبهة النصرة و  تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و ولادة ثمرة تحالفهما "داعش" و كلّ العمليات المشتركة التي خاضاها معا  الا أنه لا يخفى عن المتابعين للمشهد السوريّ  ما أفرزه هذا الزواج بالاكراه من حرب باردة بين التنظيمين .
داعش و الجيش الحرّ..حرب ضروس
لم تكن جبهة النصرة وحيدة على ارض سوريا و لم تكن الشقيقة الوحيدة للتنظيمات الارهابية في المنطقة بل كان الجيش الحرّ من أوائل التنظيمات الجهادية التي ظهرت على الأراضي السورية لتبث وسائل الاعلام اخباره و نتائج عملياته و هجوماته المسلحة و أطوار حربه الطاحنة مع قوات الجيش السوري.
 ففي وقت تناسل الدولة الاسلامية في العراق و جبهة النصرة و علاقة الاستقرار النسبيّ بينهما كانت علاقة داعش بفصيل "الجيش السوري الحر" علاقة متوترة  ودموية في أغلب جوانبها .
تتحدّث بعض المقالات الاخبارية و التحليلية عن  سياسة التكفير التي اتبعتها داعش للأنظمة والدول والفصائل و من بينها فصيل "الجيش الحر" الذّي وضعته داعش في خانة المقاتلين الكفرة.
وقد دارت بين الطرفين معارك طويلة افرزت حربا ضروسا بين داعش و  الكتائب التابعة للجيش الحر المنتشرة على الأراضي القريبة من مناطق نفوذ الدولة الاسلامية في العراق و الشام او تلك الواقعة على الخط التي رسمته داعش كحدّ مبين لامتداد دولتها.
و قد اتخذ تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام من اتهام الجيش الحر بالارتداد عن الدين الإسلامي وتعامله مع النظام السوري ذريعة لمهاجمة مضارب مقاتليه وضرب كتائبه، و قد غزت وسائل الاعلام تحليلات سياسية لعدد من المفكرين تحدّثت عن وجود مصالح و أهداف مادية خلف الصراع الدّائر بين الطرفين خاصة ما شاع حول مسألة التسابق نحو الثروة النفطية والمعابر الحدودية بين الفصيلين المتناحرين وهذا ما بدا جلياً في معارك ريف حلب والحسكة و الرقة و على الحدود السورية التركية ايضا.

مجازر الأكراد و التوسع شمالا
و بالحديث عن الحدود السورية التركية شمالا أين يتموقع الأكراد ،و سعيا من داعش إلى السيطرة على المنطقة الحدودية شمالاً وشرقاً اصطدمت الدولة الاسلامية في العراق و الشام بالتنظيمات الكردية شمالي شرقي سوريا خاصة في منطقة الحسكة و عندان والقامشلي إذ اندلعت إشتباكات عنيفة بين داعش وبين قوات حماية الشعب الكردي بعد أن قامت داعش بالسيطرة على تلك المناطق بذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية فيها  و لم تكتف الدولة الاسلامية في العراق و الشام بالسيطرة على الاراضي بل قامت بارتكاب أكثر من مجزرة بحق الأكراد الذّين كفرتهم و اتهمتهم بالتعاون مع اطراف خارجية و العمالة لصالح نظام بشار الأسد.
و تشير بعض المصادر إلى قيام مقاتلي داعش مؤخرا بخطف حوالي 120 مواطناً كردياً بينهم نساء وأطفال من محيط مدينة أعزاز بريف حلب و محاصرتها لمدينة منبج و سفك دماء أبناء المدينة من الأكراد عقب اشتباكات بين مقاتلي الدولة الاسلامية في العراق و الشام و بين خصومها من الأكراد.
و يمتدّ نفوذ تنظيم داعش اليوم على مساحة كبيرة من الشمال السوري انطلاقا من الحدود العراقية السورية مرورا بمنطقة دير الزور والرقة و وصولاً إلى منطقة الباب وإعزاز شمال حلب، إضافةً إلى شمالي إدلب قرب الحدود التركية في حركة توسعية مستمرة و لسائل أن يسأل : كم تعيش من دولة على الاراضي السورية؟ و هل من بوادر سيادة فعليّة دائمة لداعش على الاراضي السورية ؟ و كم من حاكم للأراضي السورية ؟

أمير داعش..خليفة القرن 21 ؟
استفاقت الاوساط الاعلامية يوم 29 جوان 2014  على خبر اعلان الناطق الرسمي باسم  الدولة الاسلامية في العراق و الشام *داعش* أبو محمد العدناني عن  إلغاء اسمي العراق والشام من التسمية الرسمية للتنظيم وأن مقاتلي داعش قد قرروا ازالة الحدود التي وصفها بالصنم و الفاصلة بين العراق و سوريا أي منطقة التوسع الداعشية  وأن الاسم الحالي سيُلغى ليحل بدلا منه اسم الدولة الإسلامية فقط  و اعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام عن الخلافة الإسلامية.
لتلتفت الأنظار جميعها إلى قائد التنظيم  أبي بكر البغدادي الذّي  بويع خليفة للمسلمين حسب ما تداولته وسائل الاعلام، و لعلّ في قصّة مبايعة الرجل ما يحقّق لهذا التنظيم الجهادي هدفا من اهدافه العريضة ألا و هي إعادة الخلافة الاسلامية و تحطيم الدّول العلمانية ، فمن هو خليفة القرن 21 ؟
تشير أغلب المصادر التي عايناها إلى أنّ خليفة داعش المكنى بابي بكر البغدادي هو إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري، ولد الرجل سنة 1971 في مدينة سامراء العراقية في عائلة تتبع العقيدة السلفية التكفيرية ووالده هو الشيخ عواد من وجهاء عشيرة البوبدري العراقية و تفيد بعض المقالات أنّ ابراهيم البدري خليفة القرن 21 خريج الجامعة الإسلامية في بغداد،و تقول بعض المصادر أيضا أنّ للرجل شهادات عليا إذ تؤكّد أنّ ابراهيم البدري قد درس البكالوريوس وواصل مشواره الجامعيّ إلى حين حصوله على شهادة الماجستير ثمّ الدكتوراه و يقال أنّه عمل أستاذاً ومعلماً وداعية على غرار أعمامه في عشيرة البوبدري العراقية.
حمل ابراهيم البدري عددا من الألقاب لعلّ من ابرزها "علي البدري السامرائي"و لقب " أبو دعاء "و  لقب"الدكتور إبراهيم اضافة إلى لقب  "الكرار" واخيراً " أبو بكر البغدادي"و لم يحل التكوين الاكاديمي  لأبي بكر البغدادي -حسب ما يشاع- بينه و بين التحاقه بتنظيم القاعدة الذّي سرعان ما تحوّل إلى مسؤول عن كافة أنشطته العسكرية إذ أدار البغدادي مجموعة من العمليات و الهجمات المسلحّة لعلّ من أبرزها هجوم 28 أوت 2011 على جامع أمّ القرى الذّي أسفر عن مقتل 6 أشخاص اضافة إلى عدد من التفجيرات التي هزت شوارع العاصمة بغداد في 22 ديسمبر 2011.
و تؤكّد العديد من الروايات محاولات المسؤولين العراقيين القاء القبض على البغدادي أو التخلّص منه لكنّ كلّ هذه المحاولات باءت بالفشل، وقد اكتسحت شبكات التواصل الاجتماعيّ مؤخرا و عقب اعلان دولة الخلافة صور لابي بكر البغدادي في محاولة لمقارنة ملامح الرجل بملامح جواسيس للموساد الاسرائيلي حسب ما كتب في هذه المواقع، ليتحوّل الرجل إلى نقطة استفهام كبيرة لم يشفع لها كم المعلومات الكبير الذّي تدفقّ عبر الشبكة العنكبوتية حول هويته الحقيقية.  

عقبة ابن نافع و دامس الافتراضي
يبدو أن اسطورة داعش المشوقة لم تتوقف عند احتلالها للموصل العراقي و لا عند تهجير مسيحييها من كنائسهم و بيوتهم و يبدو أيضا أنّ رحلة داعش في صراعها الحاليّ مع قوّات الأمن و الجيش العراقي و الحكومة العراقية "الشيعية" و قوات البشمركة لن تتوقف عند هذا الحدّ بل تبدو قصّة الدولة الاسلامية رهينة عدد كبير من التوقعات و التخمينات التي قد تحملنا في بعض الأحيان للتعامل مع التنظيم تحت مسميات عدّة ففي البدء كان التنظيم تفجيريا تكفيريا ثمّ بات توسعيا متبينا لفكرة الدولة الاسلامية العظمى بكلّ مظاهرها و خصائصها القديمة من تكريس لمفهوم الخلافة و الرعيّة وصولا إلى قصّة عزّت الدّوري الذي ظهر علينا فجأة من وراء ستار داعشيّ لتصوّره وسائل الاعلام كمنقذ للعراق و كمكمّل لرحلة صدّام حسين لاستعادة دواليب الدّولة وصولا إلى قصّة " اعلان الخليفة و ظهور قصص و أخبار غريبة في الاعلام.
و من أخبار داعش ما لاكته نشرات الأخبار مؤخرا من فضاعاتها لتعيد إلى ذهن المشاهد صورة بشعة  عن ما عرف بجهاد النّكاح و تحريم شرب السجائر و لباس الجينز و ضرورة التزام المرأة باللباس الشرعيّ و وضع النّقاب و غيرها من تبعات الفكر السلفي الوهابيّ غير أنّ داعش في كلّ مرّة تفاجئنا بظهور أقوى من سابقه و بوجه أكثر رعبا و سماجة و هو ما أكدّته تحليلات بعض الاكاديميين المختصين في ابحاث حول الجماعات الاسلاميّة ليطرحوا في كلّ مرّة عددا من الأسئلة لعلّ من أبرزها : من وراء داعش ؟ و من المستفيد الاول من تغوّلها في المنطقة العربية ان على الأرض أو على المستوى الاعلامي ؟" سؤال قد يحيّر القارئ بما قد لا يدع لديه في بعض الأحيان مجالا للشكّ بأنّ " في الأمر إنّ ".
و لا يخفى على المتتبع للنسق السريع للأخبار على  مواقع التواصل الاجتماعي خبر ظهور تنظيم إرهابي يسمى "دامس" أو لنقل الشقيقة الصغرى لداعش مع اختلاف طفيف حول التسمية المسندة إلى هذه الدولة الجهادية الجديدة فمن المصادر ما يؤكّد أنّ "دامس" مختصر لعبارة "الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي" و هناك من المصادر من ينفي الأمر بدعوى اشتقاق كلمة "دامس" من "الدولة الإسلامية في مصر والسودان".
و تبقى الطامّة الكبرى في هذا الخبر متجسّدة في امكانية نشوء فعليّ لشقيقة صغرى لداعش في المغرب الاسلامي أو في شمال افريقيا من عدمها إذ يبدو الخبر اشبه باحتمال افتراضيّ أكثر منه حقيقة مبنية على معطيات صحيحة فقد  أوردت صحيفة "الشروق" الجزائرية  خبرا حول  اعطاء اللواء أحمد بوسطيلة، قائد جهاز الدرك الوطني، "لأوامر بتجنيد جميع وحدات حراس الحدود ووحدات البحث والتدخل وتشكيلات السرب الجوي لمراقبة الإقليم وتأمين الشريط الحدودي الجزائري، لصد الخطر القادم من الشرق في ظلّ الصعوبات التي تواجه الجيش التونسي لضبط حدوده البرية مع الجزائر وليبيا".
و قد وردت هذه المعطيات الاخبارية خاصّة عقب حادثة استشهاد الجنود التونسيين في شهر رمضان المنصرم و صراع دام مع جماعات ارهابية في جبل الشعانبي تقول المصادر الاعلاميّة أنّها تشكّل ما عرف بكتيبة عقبة بن نافع كشقيقة أخرى للتنظيمات الجهاديّة المنضوية تحت لواء القاعدة و لكن هذه المرّة بنكهة محليّة.
و تقول الصحيفة الجزائرية المذكورة آنفا أنّ الهدف من وراء  التجنيد هو منع تسلل مجموعات مسلحة كاملة تابعة للقاعدة وبقية الفصائل السلفية الجهادية من شمال مالي إلى جنوب غرب ليبيا، والتحامها بسلفيين تونسيين متشددين عائدين من سوريا والعراق وشمال مالي.
 وتردّ الصحيفة هذا التجنيد الأمني إلى ورود تقارير استخباراتية لم تذكر مصدرها، كانت قد كشفت عن مخطط لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش"، للتوغل في الجزائر واتخاذها مركزاً لتنظيمه الجديد الذي سيطلق عليه اسم "تنظيم الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي" (دامس)، حيث تعمل زعامات جهادية في ليبيا مرتبطة بأجندة "داعش" منذ مدة على زرع قدم لها في الجزائر من خلال اتخاذ تونس كنقطة عبور، وسحب الزعامة من تنظيم القاعدة.
وتعود أسباب تعاظم نفوذ القاعدة في شمال إفريقيا، حسب  بعض المحلّلين إلى تقهقر الحزم الأمنيّ الذّي صاحب حكم تيار الإسلام السياسي اضافة إلى وقوع  العديد من المساجد تحت سيطرة التيارات الدينية المتشددة و تعزو الانفلات الامنيّ ايضا إلى تدهور الوضع في ليبيا المتّسم بسيطرة  تنظيم القاعدة على العديد من المدن الليبية التي تشهد حاليا مدّا من الاحداث الدامية مع وفود كثير من الفارين من الموت على الحدود التونسية  اضافة إلى ما تملكه هذه التنظيمات الجهادية من قدرات مالية كبيرة، إذ أن لداعش  أنصارا كثرا في شمال إفريقيا، ذلك أن معظم الجهاديين الذين ذهبوا إلى سوريا انضموا إلى داعش حسب عدد من وسائل الاعلام.
و تبقى "داعش" وشقيقاتها من التنظيمات الارهابيّة نقطة استفهام كبرى في الاذهان العربيّة و الغربيّة ذلك أنّ هذه التنظيمات لا تمثّل في ذهن المواطن العربيّ سوى علامة من علامات الرجعيّة و التشدّد و من الكتاب و المفكرين العرب من يصفها ب"الدّمل " الذّي وجد جسدا مريضا و ارضية سانحة ليطفو على اجساد الدول المتداعية إلى السقوط بعيد الربيع العربيّ الذّي لم يكن منذ البدء ربيعا.
و من النخبة المثقفة العربية سياسيا من يعتبر "داعش و أخواتها" مؤشرا من مؤشرات التهافت الغربيّ على مصادر الطاقة في الدّول العربيّة و فزّاعة كبرى الغاية منها إرباك الراي العام العربيّ و ذراعا طويلة لضرب الجيوش العربيّة و تفتيت مواطن قوّتها أمّا المواطن الغربيّ البسيط فينظر إلى هذه العائلة الجهاديّة المثيرة بعين وسائل الاعلام و أجنداتها معتبرا أنّ " داعش " تأكيد مباشر لوجود الصورة النمطيّة التّي يراها الغرب في أفلامهم عن العربيّ المتوحشّ، و المسلم البدائيّ اللامتحضّر -ان صحت العبارة- و كأنّ ظاهرة الارهاب حكر على المسلمين و العرب دون غيرهم .
و كأنّ داعش هي خلاصة ما أفرزته الحضارات العربية الاسلامية المتعاقبة تلك التي انجبت "ابن سينا "و الفرابي" و ابن الجزار و ابن رشد و الخوارزمي " لا تعدو اليوم أن تكون على شاشات التلفزات الغربية سوى حضارات مفرزة لجهاد النكاح و الجلد و النقاب و انتهاك حقوق المرأة و خطرا محدقا بحقوق الانسان.
 و يبقى السؤال قائما : "إلى متى سيبقى العرب المسلمون رهينة صورة نمطيّة متوحشّة في عيون الراي العام العالميّ؟" و إلى متى سيبقى العربيّ مستسلما لواقع تفرضه الظروف الاقتصادية و السياسية  العالميّة مستسلما لمصير تسطره القوى العالميّة الكبرى  و تزكيه المصالح الأجنبية رغم علمه بأنّ "في الامر إنّ ".

سميّة بالرّجب