lundi 11 août 2014

تونس.. أين المفرّ من شظايا الأزمة الليبية؟

فتحت تونس حدودها مؤخّرا أمام تدفق عدد كبير من العائلات الليبية الهاربة من المعارك الضارية في شرق البلاد ، غير أنّ الوضع الأمنيّ و الاقتصاديّ و الاجتماعيّ التونسيّ في الآونة الأخيرة قد شهد صعوبات عدّة ممّا جعل جملة من التخوفات تسيطر على التونسيين ترجمتها وسائل الاعلام إلى اطلاق صرخات فزع حول امكانية حدوث مزيد من التدهور على المستوى الأمنيّ بالخصوص في ظلّ ما تشهده تونس من حرب ضروس على الارهاب في الشقّ الغربي من البلاد، اضافة إلى حالة من التململ على المستوى الاقتصاديّ و الاجتماعيّ فهل لتونس من مفرّ من شظايا الأزمة الليبية ؟

فرار الليبيين إلى الحدود التونسية لم يكن فرارا من الموت المحتمل وحده بل هربا من تبعات واقع سياسيّ متأزّم يعصف بالبلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات لا ينمّ سوى عن تناحر ليبيّ- ليبيّ قضى على الأخضر و اليابس في البلاد ويتوقّع أن يستمرّ لسنوات طوال، إذ تفاقمت الأزمة السياسية في الآونة الأخيرة لتفتح المجال أمام تقاتل مسلّح في مدينة بنغازي الليبية و تدمير لطائرات رابضة في المطارات و اضرام النّار في مستودعات للنفط والغاز في العاصمة طرابلس أطلقت  الحكومة الليبية المؤقتة على إثرها نداءات إلى المجتمع الدولي لمساعدتها على إخماد تلك الحرائق الهائلة .


خيوط الأزمة الليبية ؟
لا يخفى على المتابع للمشهد الليبيّ ما عاشته البلاد مؤخّرا من انتقال الصراع الدّائر حول النفوذ و الثروة الليبية من مربّع التناحر السياسي إلى مربّع الاقتتال المسلّح الذي وضع ليبيا المتأرجحة على حبال الحرب و الهدنة بين كتائبها المسلحة - منذ سقوط نظام معمّر القذافي-  على شفى هوّة سحيقة هي و لا ريب الحرب الأهليّة.

و يفسّر المراقبون للصراع الدائر في الشقيقة ليبيا بأنّه ترجمة واضحة لفشل النخبة السياسية المحلية في إدارة مرحلة صعبة و دقيقة في تاريخ البلاد أي مرحلة الانتقال الديمقراطيّ دون الوقوع في صدامات فئوية بين أحزاب سياسية و منظمات تعيش صراعها من أجل الهيمنة و البقاء في الحكم رغم الدعوات الكثيرة إلى فضّ المشاكل الليبية بلغة الحوار و بالحلول السياسية الممكنة. و بعد مرور البلاد بفترة تململ و انتكاس يبدو أنّ الوضع قد تعفن في ظلّ غياب حكومة قوية ومتجانسة، ولتمترس الكثير من السياسيين خلف الميليشيات، واعتمادهم على ثقل كتائبهم في الشوارع الليبية دون أن يولوا أهمية لمنطق الأفكار والبرامج السياسية في إقناع المواطن الليبي واستقطابه تأهبا للمحطات السياسية القادمة.

إذ يسجّل المشهد الليبيّ اقتتال طرفين أساسيين على الأرض حيث يتبنى الطرف الأول قضيّة الدّفاع عن ما يسميه " ثورة 17 فيفري 2011" ويتمثل في "كتائب مصراتة والخمس وزليتن وطرابلس ومسلاتة وغريان وجنزور والزاوية وبعض من ثوار سرت وبني وليد و هي تلك الكتائب التي يصفها الصحفي الليبي، يوسف الصادي مدير تحرير صحيفة "الوطن"، بأنّها كتائب لا تستند إلى خلفية إيديولوجية معينة، بل تدافع عن ما أسماه "الحرية والعدالة الاجتماعية ".

ويشير الصادي في تصريح له لقناة فرانس 24 إلى أنّ هذه الكتائب التي تقاتل تحت إمرة وزارة الدفاع و التي تصبو إلى بناء دولة العدالة والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة قد دخلت في مواجهة شرسة مع الطرف الثاني في المعركة و المتمثّل في قوات اللواء حفتر المشكلة من كتائب "القعقاع و الصواعق والمدني" مؤكّدا على أنّ تصريحات حفتر بمحاربته للإسلاميين المتشددين هو محض إدّعاء و أنّ توجهه إلى بنغازي -التّي يتواجد بها أكبر عدد من مقاتلي أنصار الشريعة- كان بهدف السيطرة على ثاني أكبر مدينة ليبية، بغية "الانقلاب على الثورة"، ومحاولة "تطبيق السيناريو المصري في ليبيا" متهمّا حفتر بتلقي الدعم من أحمد قذاف الدم، ابن عم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.

و بالرّغم من أنّ الحكومة الليبية قد عبرّت مؤخّرا من خلال تصريحات وزير خارجيتها، عن رغبتها في اقحام الجيشين المصري و الجزائري بحثا عن استتباب الأمن في ليبيا إلا أن الليبيين الذّين عاشوا ويلات تدّخل القوات الأجنبية و قوات حلف الناتو سابقا –حسب بعض المصادر- لا يرحبون بفكرة الحكومة كما أنّ البلدان الغربية حاليا لا تبد في ظلّ تعفنّ الأزمة الليبية حماسا للتورط في تدخلّ عسكريّ مباشر في البلاد مكتفية بإجلاء دبلوماسييها من ليبيا نحو التراب التونسيّ.

تونس بين فكيّ الأزمة الليبية و غول الارهاب

رغم أنّ لليبيا حدودا مع دول عديدة إلاّ أنّ الليبيين يرون في تونس المرفأ المناسب للاستقرار بعيدا عن أجواء الصراع الدامي في مدنهم خاصّة و أنّ للأشقاء الليبيين تجربة سابقة لم تترك في نفوسهم سوى كلّ امتنان للدّولة التونسيّة و كلّ احترام و تقدير للشعب التونسيّ الذّي احتضنهم في فترة اسقاط نظام معمّر القذّافي و ما بعدها و تشير بعض المصادر الاعلاميّة إلى أنّ عدد الليبيين الوافدين إلى التراب التونسيّ قد تجاوز المليون و 900 ألف مواطن ليبي اضافة إلى عدد كبير من الأجانب وخاصة منهم المصريين الأمر الذّي أدّى إلى اصدار وزراتي الدفاع الوطنى والداخلية لبلاغ مشترك مؤخّرا تضمنّ دعوة للتونسيين والأجانب القادمين من التراب الليبى الى  الالتزام بالدخول الى التراب التونسى عبر البوابات الرسمية أي راس جدير والذهيبة وتطبيق التعليمات الصادرة عن السلطات التونسية لتسهيل عملية العبورو الترحيل .

أمّا بخصوص الوضع الذّي تعيشه بلادنا حاليّا فقد جاءت تصريحات وزير الخارجية التونسيّ في البدء لتعلن عن امكانية غلق الحدود مع ليبيا حيطة من تفاقم الوضع الأمني خاصّة و أنّ جنسيات أخرى حاولت اقتحام الحدود التونسية بالقوّة و أنّ الوضع الأمني الذّي تعيشه البلاد قد جعل وحدات الجيش التونسيّ تتموقع على أكثر من جبهة حماية لسلامة المواطن و حفاظا على استتباب الأمن رغم أهوال ما يعيشه الجنود في جبل الشعانبي من استهداف لوحداتهم خلّف عديد الشهداء و الجرحى .

و قد قامت الوحدات الأمنية التابعة لإقليم الشرطة بقابس  مؤخرّا  بإيقاف مواطن ليبي بحوزته كمية كبيرة من الذخيرة الحية حسب موقع إذاعة شمس ألإ أم، و قد عبرّت السلطات التونسية من تخوفاتها من عمليات تهريب الأسلحة من التراب الليبيّ عبر الحدود الليبية التونسية و نقل الصراع الدائر في المناطق الليبيبة إلى التراب التونسيّ.

و تناقلت وسائل الاعلام في الآونة الأخيرة أخبارا في نفس السياق و منها جريدة "البلاد الجزائرية" التي نقلت عن مصادر استخباراتية، أنباء عن ابرام اتفاق بين جهاديين من ليبيا ينتمون لأنصار الشريعة وعناصر من تنظيم "داعش" يقضي بترحيل مقاتلي داعش إلى دول المغرب العربي  لدعم أنصار الشريعة المتواجدة في تونس و هو ما يؤكّده الباحث التونسي رياض الصيداوي في تصريح له لجريدة القدس العربي من أن ليبيا قد تحولت إلى «بؤرة» لتصدير الإرهاب نحو دول الجوار والعالم، مشيرا إلى أن السلاح الليبي استُخدم في العمليات الإرهابية بتونس وتم تهريبه إلى عدة دول في العالم.
مطرقة غلاء الأسعار و سندان مخاوف المجتمع

أمّا في المستوى الاقتصاديّ فلا يبدو أنّ الوضع يدعو إلى الاطمئنان إذ أنّ توافد عدد كبير من العائلات الليبية خاصّة على ولايات الجنوب الشرقيّ قد أحدث حالة من التململ في صفوف التونسيين و السكّان الأصليين للبلاد إذ لا يخفى على أحد أنّ للمواطن الليبي القدرة على دفع مبالغ هائلة مقابل شراء منزل أو كراء عقار للسكنى في أيّ منطقة من مناطق الجمهورية التونسية مهما كانت قيمة العقار و هو ما أحدث نفورا واضحا لدى سكان مدينتي صفاقس و جربة و سوسة الذّين رأوا في توافد الليبيين إلى مدنهم مجلبة لغلاء كبير في أسعار الكراء و قطعا للطريق أمام التونسيين من عمال و طلبة إذ لا يملك هؤلاء  نفس الامكانيات المادية للأشقاء الليبيين.

و وردت أنباء عن ارتفاع أسعار كراء المنازل بنسبة 250 % في مدينة صفاقس و أكدّ مسؤول بالاتحاد الجهوي للتجارة و الصناعة التقليدية بصفاقس في تصريح له على موجات إذاعة اكسبراس أف أم أنّ أسعار الموّاد المدعمّة قد شهد ارتفاعا رهيبا في الآونة الأخيرة كما عرف سعر كراء المنازل ارتفاعا جرّاء الضغط الذّي تشهده المنطقة نتيجة لتوافد الليبيين إلى المدينة في ظلّ جمود للنشاط التجاري في مستوى التصدير و التوريد من الجانب الليبيّ.
و هو ما لا يترك مجالا للشكّ من أنّ المواطن التونسيّ الذّي يعاني منذ ثلاث سنوات من ارتفاع مذهل للأسعار لن ينجو في ظلّ الظرف الحاليّ من تبعات الأزمة الليبية التّي ألقت بكلكلها على مستوى معيشته المترّدي خاصّة و أنّ التونسيّ الذّي ودّع مؤخرا نفات الشهر الفضيل  يتحضرّ اليوم لمصاريف العودة المدرسية و الجامعية دون أن ننسى اقتراب عيد الاضحى.

أمّا في المستوى الاجتماعي فتبدو تبعات الأزمة الليبية مصدرا هامّا من مصادر استبطان ثقافة العنف اللفظي و الماديّ في صفوف المواطنين الليبيين الذّين أمضوا سنوات من الاقتتال الداخليّ و مصدرا من مصادر الخوف أيضا لدى التونسيين إذ تناقلت وسائل التواصل الاجتماعيّ مؤخرّا أخبارا عن إلقاء ليبيين لفتيات تونسيات من طوابق البنايات الشاهقة في محاولة للتذكير بالفاجعة التي عاشتها عديد المدن التونسية و خاصة السياحية  في السنة الفارطة و منها مدينة سوسة التي شهدت في صائفة 2013 مقتل فتاة تونسية اثر إلقائها من قبل ليبيين من الطابق الثالث ناهيك ما احدثته حادثة حيّ النصر الشهيرة بالعاصمة من بلبلة في صفوف المطلعين على الخبر اضافة إلى ما تداولته وسائل الاعلام السنة الفارطة و منها موقع تانيت براس من تعرّض فتاة تونسية إلى الاغتصاب من قبل شاب ليبي بأحد المطاعم بمدينة أريانة و ما خفي كان أعظم !.

يبدو من خلال ما أسلفنا ذكره أنّ البلاد التونسية التي احتضنت الأشقاء الليبيين سنة 2011 لم تعد بقادرة على استعاب نفس الثقل الديمغرافي و تبعاته الأمنية و المعنوية و الماديّة وسط صرخات الأحزاب السياسية التي بدت مناوئة لمواقف الحكومة التونسية و مرحبّة بالأشقاء الليبيين رغم حالة التدهور التي تعيشها البلاد على كلّ المستويات، فأين المفرّ من تساقط شظايا الأزمة الليبية ؟ و هل من منفذ قريب للخلاص ؟


سميّة بالرّجب








Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire