lundi 16 septembre 2013

سائق التاكسي في بلدي ..

سائق التاكسي في بلدي رجل محدود الأفق رغم تعدّد الاتجاهات و رغم  انطلاقه اليومي في أرض الله الواسعة بحثا عن طرقات الرزق , تنظر إلى الرجل فتراه مكفهّر الوجه عابسا أو حزينا  و غالبا ما تراه ضاحكا دون سبب يذكر ..  تراه يسخر من التصاقه المضني بالمعبّد الأملس ؟ ..
 سائق التاكسي في بلدي  عادة ما تكون سيارته  مريحة و في بعض الأحيان تجدها مقرفة و مقززة ..


سائق التاكسي في بلدي رجل يتعب في حصاد المسافات كثيرا لكنّه غالب ما يكون كثير الكلام، ثرثارا و متصلّب الرأس .. يتفرس في وجهك فجأة و يراقبك في المرآة الصغيرة المتدلية أمامه فإذا رأى منك شيئا من التململ و القلق انتابه احساس ملحّ بسؤالك عن أسباب الزيادة في سعر المحروقات و أحوال البلاد و العباد .. تناقشه فيهوي عليك بالسباب .. هو لا يسبك أنت نادرا ما يفعلها في لحطات الغضي القصوى .. هو يسبّ حظّه العاثر .. مسافات الطريق الطويلة و اغراءات جيوب الركّاب لا تسمح له  بنيل قسط صغير من الراحة إلاّ في مقهى شعبيّ لا يسمع فيه سوى ترهات المارّة و الجالسين و لا يحتسي فيه إلاّ مرارة الأخبار في جريدة صفراء تبثّ الفتن .. قد تكون في أغلب الأحيان صحيفة حزبيّة اختارها دونا عن كلّ الصحف لأنّ صورة السياسيّ المفضّل لديه كانت أجمل من الخبر الذّي تتحدّث عنه الجريدة ..

سائق التاكسي في بلدي رجل متواضع من حيّ شعبيّ أو نازح قادته الظروف إلى مدينة مليئة بالمظاهر الكاذبة .. سائق التاكسي في بلدي ليس كباقي من يرتادون الطريق و يستقلون عرباتهم ، هو يعلم جيّدا من أين تؤكل الكتف فيتجاوز الاشارات بخبث منقطع النظير و في غالب الأحيان تبدو له الاشارة الحمراء و قد اخضرت أجمل الاشارات و أكثرها مدعاة للمجاوزة اللاقانونيّة..

سائق التاكسي في بلدي رجل مغوار و نادرا ما يكون امرأة تعمل حصّة صباحية فقط في بلد زاد عدد السجناء الفارين فيها أو ممن تمّ اخراجهم من السجون النتنة بمناسبة عفو رئاسيّ .. سائق التاكسي في بلدي رجل لا يحبّ الاضرابات لكنّه يحبّ الانتفاع من مرتاديها ..
سائق التاكسي في بلدي رجل يحبّ رائحة المشموم لكنّه نادرا ما يشتري الياسمين من بائعيه على قارعة الطريق فهو لا يعترف إلاّ بالمناديل الورقية الصغيرة و عادة ما يلقي بعلبتها الفارغة من نافذة التاكسي أثناء هرولة السيارة ..

سائق التاكسي في بلدي رجل كثير التذمّر من غلاء المعيشة و غلاء أسعار الخضراوات و الغلال ، رجل يعشق الأكل و السجائر و الكحول .. سائق التاكسي في بلدي رجل عطوف عادة ما يقف ليسألك إلى أين العزم و المسير فإذا تبينّ أنّك صاحب مسافة قصيرة تركك لألسنة اللهب الحارق في فصل الصيف و وابل الأمطار في فصل الشتاء..
سائق التاكسي في بلدي قصّة حبّ عميقة مع الراديو .. لكنّه لا يسمع إلاّ ما شاء منه فإذا انسجمت مع أغنية ما أغلق الراديو و انطلق في محاضرة عصماء عن الاعلام ..
سائق التاكسي هو الرجل الوحيد الذّي لا يريد ازعاجك لكنّه عادة ما يهرع إلى سيجارته ليشعلها غير عابئ بأزمات التنفس الحادّ الذّي قد تعاني منه .. رجل التاكسي في بلدي رجل يحبّ وطنه لكنّه عادة ما يحدّثك عن رغبته القويّة في الرحيل عنها..

سائق التاكسي رجل مهذّب يحترم النساء لكنّه عادة ما يسبّ سائقات السيارات في الطريق و يحاول ازعاجهنّ بادعاء نباهته في السياقة و ذكاء الرجال في التعامل مع المواقف الحرجة على المزفت و غياب البديهة عن النساء اللاتي يعتبرهن ناقصات عقل و دين.
سائق التاكسي في بلدي شديد الولع بالنخبة المثقفة و عادة ما يحدثك عن كرهه العميق لفئة المتعلمين و أصحاب المراكز العلمية الكبرى .. فهم يملكون سيارات فخمة و لا يستقلون التاكسي.. طبعا هو لا يرى لون دنانيرهم ..

سائق التاكسي في بلدي رجل يحبّ الرياضة و الرياضيين و لا يفوّت فرصة متابعة أي مباراة لفريقه المفضلّ لكنّه عادة ما يكسب وزنا زائدا و شحوما كثيرة أسفل بطنه فهو لا يحبّ المشي و لا ممارسة الرياضة ..
سائق التاكسي في بلدي رجل خبير علّمته الحياة التعامل مع جميع أصناف النّاس لكنه لا يجيد في غالب الأحيان لغة اللباقة و الكياسة..
سائق التاكسي في بلدي رجل يكسب المال الكثير بعرق جبينه .. لكنّه لا يحمل في جرابه أثناء السفر سوى دفتر صغير من الأحلام البسيطة..

سميّة بالرجب


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire