jeudi 19 avril 2012

الطريق إلى الجامعة .. ما خفي كان أعظم


لطالما كان "التعليم القويم’’  حجر الأساس في نهوض الأمم و ازدهارها و لطالما كان "التعليم " الطريق السالكة نحو تنشئة أجيال تحمل من الوعي ما يمكنها من اختراق كافة أفضية المعرفة و تسلّق السلم العلميّ دون مشقة . بل يذهب العديد من المثقفين إلى تعريف التعليم على أنّ له وظيفة اجتماعية لا يستهان بها هي في طور الاضمحلال في عصرنا  الحالي إذ يقولون بأن "التعليم" بمثابة المصعد الذّي يركبه الرجل الفقير ليصل إلى أعلى المراتب الاجتماعية .. و هذا كان حال التعليم في البلاد التونسية..شعار يرفع بإرادة سياسية بعيد الاستقلال سنة 1958 ليصبح انجازا تفتح عبره أعرق الجامعات الفرنسية و الأجنبية أبوابها لأبناء تونس مرحبّة ، ليتحوّل التعليم زمن الاستبداد و الفساد في بلادنا  إلى واجهة ضبابية تخفي خلفها الانتهازية و التقهقر العلميّ بل لنقل رمادا يذر فوق العيون ليخفي حقيقة انحطاط معرفيّ مرّده سياسة تعليمية تلقينية بحتة و زركشة خادعة تعلو النسب الخيالية للنجاح الوهميّ في صفوف التلاميذ قبل الطلبة .. و ما خفي كان أعظم !

لقد كشفت ثورة 14 جانفي 2011 في البلاد التونسية عن عدد كبير من المساوئ التي لحقت بمنظومة التعليم التونسية انطلاقا من المرحلة الابتدائية وصولا إلى مرحلة التعليم العالي ثمّ البحث العلمي و قد أزاح ظهور هذه الحقيقة "الفاجعة" الغشاوة عن عيون العديد من المصدقين لأكذوبة التعليم التونسي اللامع  لتصدح أصواتهم بضرورة إصلاح التعليم التونسيّ الذي تميزّ في الفترة البورقيبية بألق و تميزّ مازال آباءنا و الطاعنون في السنّ من ذوينا يتحدثون عنه و يقرّعون عبره الأجيال الصاعدة من الشباب "المتعلّم" عند كل مناسبة ،
 فقد عرف "التعليم" في فترة حكم الرئيس المخلوع 'زين العابدين بن علي' تدهورا بالتدرّج  شهد أحلك و أسوأ حالاته -حسب عدد من الأساتذة و متفقدي التعليم الابتدائي و الثانوي و أيضا عدد من الأساتذة الجامعيين الذين فاتحناهم في الموضوع - في السنوات الأخيرة لحكمه  .

 بداية العلّة .. الابتدائي :
شهد التعليم التونسي عددا من الاصلاحات الهامّة في فترات متباعدة نسبيا لكنّه لم يعرف اصلاحا واحدا نافعا في فترة "الشعارات البنفسجية " فلم يعد التعليم الابتدائي قاعدة منيعة لتعلّم القراءة و الكتابة و حذق علوم اللغة و الرياضيات و الإيقاظ العلميّ و غيرها بل بات أشبه بتيار من النسب الخيالية للنجاح في صفوف التلاميذ الذين أكدّت مداخلات بعض أساتذة التعليم الثانوي في إحدى الملتقيات الدورية حول موضوع "التعليم في تونس" أنّ من تلاميذ السنة السابعة أساسي من يصل إلى هذه المرحلة و هو لا يعلم كيف يكتب "اسمه و لقبه " بأيّ لغة كان ..لا العربيّة و لا الفرنسية .
و على قدر دهشتك من هذا الخبر المفزع داخل المنظومة التعليمية التونسية يصرح معلّم بأنّ التلاميذ يغادرون المدرسة و كأنّهم لم يدخلوها فالقوانين و المناشير الصادرة عن وزارة التربية حجرت طرد أيّ تلميذ دون عمر معيّن ضمن السياسة الرامية إلى التصدّي لظاهرة الانقطاع والفشل المدرسي بتوفير تعليم جيد للجميع يضمن لكلّ فرد الاندماج الناجح في المجتمع لكنّ ما يؤكدّه المعلّمون و الأساتذة أنّ مبدأ التصدّي للفشل الدراسي "و هو متوفرّ بكثرة في صفوف التلاميذ" و مبدأ  تكافئ الفرص و النجاح الآليّ قد أدّى إلى تدهور الطاقة التنافسية لدى التلاميذ اللامعين و المتميزين فباتوا يرون في مجهودهم –حسب بعض المعلّمين- مجهودا خاويا باعتبار أنّ كلّ التلاميذ تحت شعار التصدّي للفشل الدراسيّ باتوا يدعمون من ناحية الأعداد كيفما اتفق ليطرحوا سؤالا يتكرر عند كلّ مناسبة " ما هي الغاية من المجهود الإضافي الذي نقوم به إذا كان كل التلاميذ يتفوقون و ينجحون دون عناء؟ ".
ناهيك عن عدم انضباط التلاميذ داخل القسم و تحوّل الفضاء التعليميّ إلى فضاء للعنف المدرسيّ في ظلّ غياب تربية جيّدة داخل العائلة و تنشئة اجتماعية رديئة باتت تتجاوز المدرسين و تعيقهم عن القيام بوظيفتهم التربوية داخل المدارس تحت عنوان "حقوق الطفل " إضافة إلى عدد من  المشاكل الأخرى داخل المنظومة التعليمية في مرحلة الابتدائي ربّما لن تكفيها مجلدات غليظة السمك لاحتوائها و الحديث عنها .
الثانوي ..نقطة استفهام ؟ :
تعدّ المرحلة الثانوية من المراحل الهامّة لإضفاء جانب النضج العلميّ على عقول التلاميذ فهي أشبه بمقدّمة معرفيّة تحدّد فيما بعد اختيارات التلميذ في المرحلة العليا و تفتح أمامه الأبواب للتفكّر في العلوم و حلّ الإشكاليات العلميّة البسيطة كفاتحة للغوص في العلوم الصحيحة و العلوم الإنسانية بما يخوّله لطرق أبواب الجامعة و اكتساح فضاء البحث العلميّ فيما بعد ..لكنّك حين تستمع إلى بعض شهادات الأساتذة في المعاهد الثانوية تنتابك حيرة و تلهب حلقك غصّة .. استمعنا إلى بعض الأساتذة و شاهدنا بعض ممارسات التلاميذ داخل الأقسام و لعلّ التكنولوجيا الحديثة و الشبكات الاجتماعية قد منحت التلاميذ قبل الأساتذة فرصة لفضح ممارساتهم داخل الأقسام لتعكس هذه الممارسات في جلّها حقيقة المسار التعليميّ لهؤلاء و مآل مستقبلهم العلميّ .. يتحدّث الأساتذة في المرحلة الثانوية عن عزوف رهيب للتلاميذ عن دخول القاعات لتلقي موّاد هامّة كاللغات و الرياضيات و الفيزياء و الاقتصاد و التصرّف و حتى التربية البدنيّة .
و يرّد الأساتذة هذا العزوف إلى أنّ الضوابط العلميّة قد تغيّرت و أخذت منحى آخر مختلفا عن المنحى الأصليّ ألا و هو تلقي المعرفة و قد أدلت أستاذة في مادّة الاقتصاد بشهادة يندى لها الجبين قائلة في ملتقى حول "التعليم في تونس" : " لزميلتي قسم لا يدخله إلاّ خمسة تلاميذ من أصل 26 تلميذا ".
السؤال المطروح هاهنا " أين الضوابط الإدارية ؟"
أستاذ آخر يتحدّث عن عدم رغبة التلاميذ في حضور مادّة الفلسفة و عن صواريخ ورقية تستهدفه في كلّ حصّة تضطرّ به إلى إلغاء الدرس و آخر يتحدّث عن سيارته التي عاث بها التلاميذ فسادا لرفضه إلغاء "صفر " أسنده إلى تلميذ لا يحضر حصتّه و لا يجري الاختبارات .
و في خضّم كلّ هذه التجاذبات تتحدّث أستاذة في الرياضيات عن عدد كبير من الإصلاحات التي فرضتها وزارة التربية لعلّ من أبرزها في زمن الرئيس المخلوع " زيادة 25 بالمائة من المعدّل السنوي بالنسبة لتلاميذ الباكلوريا و إلغاء مناظرة التاسعة أساسي " و هو ما علّقت عليه بكونه قد أزاح أيّ نوع من الغربلة في صفوف التلاميذ و أنّ هذه النسبة هي ما أفسد التعليم الثانوي و حطّ من المقدرة العلميّة لدى التلميذ الناجح في الباكلوريا .
و بالتركيز على مسألة الإصلاحات و المناشير تحدّث بعض الأساتذة عن حادثة غريبة تمثّلت في إصلاح أستاذة لعدد من الفروض التي لم يكن بينها حسب الشهادات أيّ فرض يستحقّ معدّل عشرة من عشرين ففوجئت الأستاذة بتوبيخ من وزارة التربية و التعليم أعقبه خطاب مهين لمدير المعهد توجّه به إلى الأستاذة قائلا :" بره راجع روحك يا مدام" .
يؤكدّ أساتذة التعليم الثانوي في هذا الصدد بان الأستاذ بات رهين برامج مسطرّة من قبل الوزارة قتلت جميع أنواع الاجتهاد لدى الأستاذ و جعلت منه آلة تلقينية بامتياز و هو ما فتح أبواب الانتهازيّة في صفوف الكثيرين الذين يقدّمون دروس التدارك فبات التلميذ رهينا لنماذج تقدّم داخل حلقات دروس التدارك فاذا حضرها و دفع ماله اجتاز الاختبار بنجاح و إذا لم يحضرها باء في أغلب الأحيان بالفشل و نال الأعداد السيئة .
اللغات .. العجز العلميّ :
معضلة أخرى تكتسح صفوف التلاميذ لعلّها تلك المتمثلّة في مسألة عجز التلاميذ عن حذق أيّ لغة على الوجه الأمثل و يرّد الأساتذة الأمر إلى مرحلة الابتدائي و عجز المعلّم عن تلقين التلاميذ في مرحلتي التعليم  الابتدائي و الأساسي أصول اللغة و النحو و الصرف و غيرها في باب اللغات الأجنبية و هو ما يؤدّي إلى تقاعص مذهل في التجاوب مع أيّ مادّة أخرى كون اللغة هي أساس تلقي العلوم .
هذا الأمر و لا ريب يفتح الباب أمام التساؤل عن الفجوات بين المراحل التعليمية فليس للأستاذ في مرحلة الأساسي علم أو دراية بما يقدّم في مرحلة الابتدائي و لا الأستاذ في التعليم الثانوي بمطلّع على ما يقدّم في مرحلة التعليم الأساسي و لا الأستاذ في السنوات الأولى في التعليم العالي بقادر على مقاربة ما يقدّم في سنة الباكلوريا ..هذه الفجوات خلقت نوعا من التعكّر –حسب الأساتذة – في حلّ عديد المعضلات التي تشوب التعليم التونسي بامتياز.

يبدو الطريق إلى الجامعة التونسية شائكا و موحلا بل لنقل وعرا يحمل بين طياته مشكلات عصيبة ينادي المطلعون عن قرب من الأساتذة و الأولياء و غيرهم بحلّها مرددين كلمة "الإصلاح ثم الإصلاح" لكنّ دوامة الإصلاح في منظومة التعليم التونسية قد تستغرق سنوات من الكفاح خاصّة و أنّ التكنولوجيا الحديثة قد أفقدت المدرسة الكثير من وظائفها السمحة فهل تنجح الإرادة السياسية بعد الثورة في خلق ثورة داخل النظام التعليميّ على غرار ما حدث ما بعد الاستقلال ؟ و هل سترسم المؤسسات التعليميّة التونسية إستراتيجية قويمة للتصدّي لهذا التقهقر المفزع في مردود المدارس و المعاهد التونسية و من بعدها الجامعات ؟ .

سميّة بالرجب   

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire