vendredi 27 avril 2012

في عنق الزّجاجة ...


 يعودون..محملين بأفكارهم القديمة إلى كليّة سئمتهم سأم العليل من الحياة لكنهم لا يسأمون العودة و في كل مرّة يكشف قدومهم المرتقب -مع اشتعال وطيس الحرب السياسية داخل المجلس التأسيسي و خارجه- النقاب عن مخططات تدفع بالكليّة و مصير السنة الجامعية لطلبتها إلى التأزّم و التقهقر حتى أنّ المتابع لوضعية الكلية البائسة  يراها دائما عالقة في عنق الزجاجة ..


السلفيون يعودون ..
لقد كانت حادثة العلم بكليّة الآداب بمنوبة سببا قويا في تقهقر صفوف الطلبة من السلفيين بعد قيام أحد انصارهم بإنزال الراية الوطنية و وضع راية أخرى مكانها أي "راية التوحيد" ،فالضجة الاعلامية التي تلت هذه الحادثة في مختلف وسائل الاعلام التونسية و العربية و الأجنبية جعلت من صورة السلفي ''المتديّن" المدافع أو المحارب من أجل الدين أو لنقل "المجاهد" في سبيل الله  تتراجع لصالح المدافعين عن رموز الوطن التونسي ، حادثة العلم بكلية منوبة وعلى قدر أهميتها على المستوى الوطني و داخل جدران المجلس التأسيسي و في تصريحات نوابه فإنّها خلقت نوعا من الهدوء المؤقت داخل أسوار الكلية و شيئا من الطمأنينة في قلوب طلابها إذ شهد طلبة الكلية و خاصة طلبة قسم العربية أحداثا مروعة لن ينسوها في صراع ايديولوجي بيداغوجي بين الأساتذة و العميد من جهة و بين السلفيين و أنصارهم من الغرباء عن الكليّة من جهة أخرى .. هدوء يصفه الطلبة "بالهدوء ما قبل العاصفة " و ها أنّ السلفيين يعودون ثانية بعد أسابيع من السكينة إلى الكلية متبعين نفس أساليبهم القديمة مع شيء من التنسيق مع وسائل الاعلام الأجنبية التي اتصلوا بها فلبت النداء و تبعتهم صباحا إلى مقرّ العمادة لحضور أطوار منع العميد من دخول مكتبه و مضايقة الأساتذة و الاداريين أثناء عملهم .
بينما تطرح الأسئلة مجددا حول استهداف العميد "الحبيب القزدغلي" الذي تناقلت الصحف و المجلات الأجنبية و العربية ووسائل الاعلام المرئية و السمعية أخباره حتى أنّ بعض الصحف وصفته بالمحارب الأخير من أجل الديمقراطية و أخرى تناقلت أخباره لتصفه " بالمناضل ضدّ الظلامية " و لعل ما أفحم متصفحي الفايسبوك هو ما راج حول نشر مقال لاحدى الجرائد الاسرائيلية -ربما يكون مفتعلا – تثني فيه الصحيفة على الرجل  الذي يواجه للمرّة الثانية على التوالي عملية طرد من قبل السلفيين  في ظرف سياسي عصيب تمرّ به حكومة الترويكا بعد أحداث 09 أفريل 2012 و عدد من اجواء الاحتجاجات و الاضرابات في مختلف جهات الجمهورية و حملة قمع شديد من قبل وزارة الداخلية ؟
يمنع السلفيون عميد كليّة الآداب مجددا من دخول مكتبه في 17 من شهر أفريل و لكن هذه المرّة مع  تحوير بسيط للائحة مطالبهم .
السلفيون .. المطالب الجديدة
شهدت كلية الآداب بمنوبة عددا كبيرا من الهجمات السلفية بمساندة نشطاء و ميليشيات و أيضا بدعم أحزاب اسلامية منها من يدعي "الاعتدال" و كانت المطالب الأساسية مع كلّ هجمة تتمحور حول ضرورة فرض النقاب داخل قاعات الدرس و الامتحان و ضرورة احداث مصلى داخل اسوار الكليّة ربما في قاعة من قاعات الدرس بقسم العربية و الفصل بين الاناث و الذكور –و هو ما تراجع عنه السلفيون فيما بعد- لكنّ مطالب السلفيين في هجمتهم الأخير كانت عبارة عن دفاع مستميت عن الأشخاص إذ ردد أغلب المرابطين في مقرّ العمادة منهم في شهر أفريل 2012 مطلب إرجاع زملائهم إلى مقاعد الدراسة بعد قرار رفتهم من الكلية لمدة تتراوح بين عام و ستة أشهر كالطالب "محمد البختي" الذي شارك في أحداث سليمان الارهابية سنة 2007 و الطالبات المنقبات التي دار حولهن صراع طاحن أدى إلى توقف الدروس لمدة شهر أو يزيد كسابقة في كلية الآداب بمنوبة .
مطالب السلفيين لم تتوقف عند هذا الحدّ بل ذهبت إلى المطالبة بإعادة اصلاح الفروض بالنسبة إلى الطالبات المنقبات اللات أبين دخول القاعة كاشفات لوجوههن كما لم ييأس السلفيون من ترديد مطالبهم القديمة لعل من أبرزها "المصلى" الذي لم ترفضه لا رئاسة الجامعة و لا عمادة الكليّة ، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه دائما عند الاستماع إلى هذه المطالب و الوقوف على نتائج هجمات السلفيين : " أين سلط الاشراف من كلّ هذا ؟"
كلية الآداب و سلط الإشراف
نشرت احدى الجرائد اليومية مؤخرا نص نداء لتكوين لجنة للدفاع عن القيم الجامعية و لمساندة كليّة الآداب بمنوبة  بتوقيع جامعيين و مثقفين و ناشطين في المجتمع المدني وصل عدد امضاءاته إلى 103 إمضاء و قد ركزّ هؤلاء الجامعيون و المثقفون و من بينهم عدد كبير من أساتذة التعليم العالي بكليّة الآداب بمنوبة على نقاط أساسية لعل من أبرزها دور سلط الاشراف في قضية كلية منوبة، فقد أشار نص النداء إلى أن تنصل الحكومة من دورها في حماية المؤسسات العمومية و خاصة منها المؤسسات الجامعيّة بتعلّة الحفاظ على استقلالية الجامعات و عدم التدخلّ في الحرم الجامعيّ هي مجرّد تعلات واهية للتنصل من مسؤولياتها وواجباتها التي يفرضها عليها المنطق السليم و يضمنها القانون التونسي و توصيات "اليونسكو" و المتمثلة حسب هذا البيان في ضرورة حماية السلطة لأمن الطلبة و الأساتذة و الموظفين و العملة مشدديين على أنّ نداء الحماية ليس بالضرورة نداء لقمع المظاهرات السلمية لا في منوبة و لا في غيرها من المؤسسات بل إنّ المطلب الأساسي الذي دعت إليه كليّة الآداب بمنوبة كان مرتكزا بالأساس على قاعدة ثني الحكومة و سلط الاشراف للدخلاء على  الجامعة عن التشويش على الفضاء الأكاديمي و عن مخالفة القوانين. 
و لعل في ما أشار إليه الأساتذة و المثقفون في نص ندائهم إشارة إلى الأحداث العصيبة التي شهدتها الكليّة من عنف ماديّ و معنويّ داخل الكليّة و خارجها و تناحر بين السلفيين و الطلبة على قارعة الطريق على مرأى و مسمع قوات الأمن التي فضلت الوقوف موقف المشاهد دون أن تحرّك ساكنا لإيقاف سفك الدماء أمام الكليّة .
الحادثة التي ألقت بسخط المتابعين للأحداث على سلط الاشراف بعد تناقل وسائل الاعلام لأطوار المسألة ليلقي المجتمع التونسي لا فقط  الجامعيون و الطلبة باللائمة على وزير التعليم العالي و البحث العلمي الذي خرج على كليّة الآداب باستشارة قانونية من المحكمة الادارية لإخلاء ذمته من الموضوع و أيضا وزير الداخليّة الذي لم يعترف بضرورة تحمل مسؤولية رجل الأمن أثناء وجود أعمال عنف بالشارع لحماية الأمن العام و مصلحة المواطنين بل ذهب إلى إلقاء اللائمة على عميد الكليّة قائلا بأنّه "غير متعاون".
أما في الهجمة الأخيرة على مقرّ العمادة  فقد صرّح عميد الكليّة بأنّه طلب الاذن من رئاسة الجامعة ليتصل بوزير الداخلية لتخليصه من السلفيين الذين جاؤوا مجددا لطرده من عقر عمادته دون تردد تحت عدسات تصوير الصحفيين.
سجال داخل العمادة
شب خلاف بين أستاذ للغة الاسبانية و المعتصمين من السلفيين داخل مقرّ عمادة الكلية إثر الأحداث الأخيرة بها ففيما أراد الأستاذ أن يتحاور معهم ليبرز لهم أن تصرفهم لا يخدم مصلحة أي طرف و أنّه مناف للقانون ذهب السلفيون إلى اتهامه بكونه يساريا و أنه يمنع الصلاة عن الناس و أنّه يعادي دين الله و لعلّ ما أربك الجميع هو تشدّق أحدهم بقوة بأس السلفيين في أفغانستان و الصومال و السودان و غيرها من الدول التي تعاني الأمرين قائلا :" و ان شاء الله سيكون لنا بأس في تونس أيضا" ، العبارات الأخيرة أفحمت الجميع فيما ردّ الأستاذ قائلا :" يمكنك الصلاة في أي مكان تريد .. الصلاة ليست بحاجة إلى كلّ هذا الجدال ".
نقلت بعض الصحف اليومية الخبر و أدرجت إحداها باللغة الفرنسية عنوانا مثيرا لواقعة السجال بين المتخاطبين موردة بالبنط العريض " حوار الصمّ" و لعلّ ما يشدّ الانتباه أنّ السلفي الذي أراد لتونس بأسا سلفيا كغيرها من الدول السابقة الذكر قال بالحرف الواحد متجها إلى الأستاذ :" لا حاجة لي بما تقدمه لي من ثقافة" ثمّ سبّ الجلالة .
امتعاض الاداريين الذين حضروا الحوار المضني بين الطرفين كان دليلا كافيا على تناقض صورة السلفي مع أٌقواله و أفعاله لينتهي الأمر بانسحاب الأستاذ الذي فضل أن يقطع حوارا بيزنطيا لن يجني منه سوى السباب و الاهانة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire