mercredi 12 novembre 2014

رئيس التونسيين ..سيزيف القرن الواحد والعشرين !

رئيس التونسيين في عيون الجامعيين :

رئيس الجمهورية هو رئيس الدّولة ورمز وحدتها يضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور، هذا ما ورد في الفصل 71 من الباب الرابع الخاص بالسلطة التنفيذيّة في الدستور التونسي المصادق عليه سنة 2013 ولكنّ هذا التعريف لا يعدو أن يكون مجرّد هيكل خارجيّ أمام لبّ منشود وصورة مرغوبة يبحث عنها التونسيون في رئيسهم القادم بل يمنون أنفسهم بالحصول عليها بعد الانتخابات الرئاسيّة في موفى شهر نوفمبر القادم، تسكن الصورة المرتقبة مخيلّة شرائح مختلفة من الشعب التونسيّ ولكن كيف يرى الجامعيّون رئيس الجمهورية التونسية القادم وكيف يتمثلون خصاله ومناقبه ؟.


قد يبدو السؤال الذّي طرحناه على الاساتذة الجامعيين حول تمثلاتهم للصورة التي ينشدونها لرئيس الجمهورية التونسية سؤالا بسيطا لكنّ الاجابات عنه اختلفت وتنوّعت لتفرز انطباعا بأنّ الرئيس المنشود للجمهورية التونسيّة لا يمكن أن يكون رئيسا واحدا بل مجموعة من الرؤساء إذ تبدو خصاله ومناقبه التّي تفنّن الجامعيون في ذكرها خصالا متعدّدة لا يمكن للغة المنطق أن تفترض تجمّعها في شخص واحد فقط  بل قد تحيلنا الصورة على تمثّل الرجل الخارق أو سيزيف جديد للقرن الواحد والعشرين .
الرئيس الاتصّالي البارع والمثقف المقنع
يركّز الأساتذة الجامعيّون -حسب ما حصلنا عليه من إجابات- في تمثّلهم لصورة الرئيس التونسيّ القادم على جانب من الجوانب المهمّة التّي تجعل من المسؤول محلّ ثقة مبدئيّة ثمّ دائمة لدى المواطن ألا وهو الجانب الاتّصاليّ والتواصليّ، إذ تمرّ بذهن الكثير من الجامعيين فترات تاريخية مهمّة في تشكيل ملامح العالم الحاليّ كفترة الخمسينات والستينات و السبعينات فمنهم من تحضره صورة الرئيس المصري الرّاحل : جمال عبد النّاصر بخطاباته الحماسيّة وقدرته على التجييش العاطفيّ للجماهير وشخصيته الرصينة وقد تحضر البعض الآخر صورة الرئيس الفرنسي دي غول وهو يعيد فرنسا إلى قوّتها وبأسها بخطاباته المثيرة والواثقة في الاذاعة البريطانيّة وقد لا تغيب عن الكثير من الجامعيين  صورة الرئيس التونسي الرّاحل الحبيب بورقيبة وهو يلقي خطاباته الشعبية أمام آلاف التونسيين أو في شاشات التلفاز وحركات يديه توحي بالثقة والإصرار والثبات على الموقف ورغبة جامحة في اقتلاع اعتراف الجماهير بضرورة التحوّل نحو عقلنة المشهد التونسيّ وبناء الدّولة الحديثة.
تقول الأستاذة سهى التميمي –كليّة العلوم الاقتصادية والتصرّف بتونس- جامعة تونس المنار : برأيي لا بدّ أن يكون رئيس الجمهوريّة القادم شخصا مفعما بالحماس متقدّ الوجدان، ممتلئا بالطاقة ذا ثقة عالية في النّفس، قادرا على إلقاء خطاباته بشكل متقن و سلس، أرغب أن يكون رئيس تونس القادم شخصا يجيد آليات التواصل سواء على المستوى الخطابيّ أو على مستوى الكتابة.
الأمر الذّي تشاطره الاستاذة قمر بن دانة أستاذة بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر-جامعة منوبة - التّي أسرّت إلينا من خلال إجابتها على السؤال المحوريّ لهذه الورقة قائلة : يجب أن يرسل الرئيس الجديد إشارات توحي بالتغيير و الابتعاد عن استنساخ التجارب السابقة و عن السطحية.
و بالحديث عن الابتعاد عن السطحيّة والتحلّي بالتعمّق والقدرة على قراءة الواقع وبثّ رسائل توضّح عمق القضايا الوطنيّة وتبني جسورا للتواصل بين الرئيس والشعب أفادتنا الأستاذة آمال موسى أستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار : يليق بتونس أن يكون رئيسها عقلانيا ويمتاز بالرصانة الفكرية والسياسية  والجرأة  إضافة إلى شرط توفر عنصر العبقرية كي يكون جديرا برئاسة 11 مليون نسمة.

أمّا البعض الآخر من الجامعيين فيشدّد على أهمية حضور عوامل هامّة في شخص الرئيس التونسي القادم حتّى يتمكنّ من النّجاح في مهمّة التواصل مع شعبه والنّجاح في تمثيل الشعب التونسي في الدّاخل وخاصّة في الخارج ومنهم الأستاذ عبد النّاصر الكريفي أستاذ بالمعهد العالي للعلوم البيولوجيّة التطبيقيّة بجامعة تونس المنار الذّي اعتبر مسألة الهندام والثقافة الاجتماعية والقدرة على التواصل مع وسائل الإعلام وخاصّة إجادة اللغات الأجنبية إلى جانب اللغة العربيّة من الخصال الأساسيّة التّي يجب أن تتوفرّ في رئيس الدّولة حتّى يتمكنّ من تمثيل الشعب التونسي التمثيل الأمثل و المشرّف الذّي يليق به.
من جهته شدّد الأستاذ جلال الرويسي المقيم حاليا بسلطنة عمان وهو أستاذ بالمعهد العالي للتوثيق بجامعة منّوبة على هذه النّقاط قائلا :  يجب على رئيس الجمهورية التونسية القادم أن يكون قادرا على إدارة الحوار بين الفاعلين السياسيين حتى يملأ الحيّز الذي يشغله الآن ما يسمّى بالرباعي الرّاعي للحوار الوطني مهارات دبلوماسية تسمح له بالإشعاع الدّولي وتشريف صورة تونس في الخارج بالاضافة إلى ثقافة واسعة وإتقان الإنقليزية والفرنسية وطبعا العربيّة.
الرئيس المحايد  ومسافة الأمان السياسية 

لا يبدو أنّ التجارب السابقة للبلاد التونسيّة سواء تلك التّي كانت مع الرئيس بورقيبة ثمّ الرئيس زين العابدين بن علي أو الرئيس المؤقت محمّد المنصف المرزوقي قد عكست في أذهان التونسيين و الجامعيين بشكل خاصّ صورة الرئيس المحايد الذّي يدير شؤون البلاد بترك نفس المسافة من جميع الأحزاب السياسية دون تحيّز أوذاتية، مسافة الأمان التّي يجب أن تكون حاضرة في ذهن رئيس الدّولة القادم هي مفتاح القضية بالنسبة لكثير من الجامعيين فالحياد هي الميزة الأهمّ التي ينادي بها الكثير منهم،
يقول الأستاذ جلال الرويسي في هذا الصدد : لا بدّ أن يتحلّى رئيس الجمهورية بالحياد عن الأحزاب والتموقع على نفس المسافة من الجميع وهذا يعني استقالته من مسئولياته الحزبية حال فوزه بمنصب الرّئاسة وأن يتحلّىب الشجاعة وبعد النظر حتى يستطيع اتّخاذ القرارات المصيرية المناسبة في الوقت المناسب وأن يكون سياسيا متمرّسا ويفضّل أن يكون حاصلا على تأهيل جامعي في أحد اختصاصات الاجتماعيات أو الإنسانيات.
الأمر الذّي تؤكّده الأستاذة قمر بن دانة بقولها في نصّ اجابتها : على الرئيس المقبل أن يطمئن التونسيين والتونسيات حول المستقبل بالتزامه بتغيير المؤسسة التي يشرف عليها. كما يجب أن يكرس وحدة التونسيين و أن يدافع عن المجتمع بمختلف مكوناته، وأن يحافظ على استقرار البلاد و يعمل على تطويرها.
و يكفيه أن يركز في عمله على مؤسسة الرئاسة. إذ يجب عليه أن يعيد ثقة التونسيين في هذه المؤسسة التي لم تتغير ملامحها منذ سنة 1957و أن يزرع الأمل في مستقبلها. كما يجب أن يقضي على الصورة النمطية التي لازمتها منذ 1957أي صورة "الرئيس الملك".
يتحدّث الجامعيون هذه الأيام عن رئيس الجمهورية القادم وفي حديثهم ما يعكس توقهم إلى صورة رئيس يمثّل كلّ التونسيين وهذا ما أفادنا به الأستاذ عبد الناصر الكريفي من جامعة تونس المنار وعزّزته اجابة  الأستاذ طاهر بن يحي –كليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة:
أهم الشروط في اعتقادي أن لا يكون جزءا من ماكينة النظام السابق- وأن يكون قد تربى ونشأ في بيئة ديمقراطية ،وأن يكون متوفرا على الحدّ الأدنى من النضاليّة والمعارضة لمنظومة الفساد والاستبداد.
والساحة التونسيّة تزخر بالشّخصيّات الوطنيّة والحقوقية التي نحتاج إليها أكثر من أيّ وقت مضى - ذلك أنّ المتربّصين بالثورة أو ما بقي من الثورة كثرٌ، وإمكانية الردّة والنكوص إلى الوراء واردة مثلما وقع في تجارب أخرى.
لكن في الوقت نفسه نحن في حاجة إلى رئيس ممثّل لأغلب التونسيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم غير متحزّب حتى إن كان مرشحا من قبل حزب من الأحزاب.

صورة الرئيس الحداثي الحكيم

لم تخف الشاعرة والجامعيّة آمال موسى رغبتها في الدّفاع عن مسار التحديث في تونس مؤكّدة أنّ على الرئيس القادم أن يكون حداثيا بامتياز حتّى أنّها وصفته بحامي الحداثة في تونس قائلة : الملمح الأساسي والجوهري لرئيس الجمهورية القادم ، يتمثل في أن يكون حامي مسار التحديث التونسي أي أن يكون هاضما بشكل معمق لمقومات المشروع التحديثي ،الذي قامت عليه الدولة الوطنية إبان الاستقلال  خصوصا أنها مقومات في ارتباط وثيق مع الرأسمال الرمزي الثقافي الحضاري للمجتمع التونسي .
وإلى جانب ذلك، يبدو لي أنه من المهم  أن يتسم التواصل الايجابي مع مشروع التحديث للدولة التونسية  بنزعة نقدية تكميلية  بمعنى البناء على المنجز التحديثي  وجعل النقائص  من المضامين الأساسية لمشروعية حكم تونس.
صورة الرئيس الحداثي الديمقراطيّ لا تفارق أذهان التونسيين و الجامعيين بشكل خاصّ إذ يؤكّد الأستاذ عبد الناصر الكريفي بأنّ على الرئيس.
الرأي الذّي شاطره الأستاذ الطاهر بن يحي كلية الآداب بمنوبة -قائلا : كرسي الرئاسة يتطلب في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ بلادنا  شخصيّة تتسم بالحكمة والرصانة في اتخاذ القرارات وشخصيّة مبدئية صلبة غير قابلة للاحتواء والتدجين من قبل رموز الفساد المالي والسياسي المحلّيين والإقليميين.

وأضاف: آخر ما أفكر فيه وأنا أستحضر سقطات بعض الشخصيات السياسية هو ضرورة الانتباه والحذر عند التصريح بموقف تجاه دول شقيقة أو تجاه فئات اجتماعية معينة كالنساء أو الصحفيين.

الرصانة صفة أخرى من الصفات التّي يجب أن تتشكّل منها ملامح الرئيس القادم فبالعودة إلى عدد من شهادات الجامعيين لفت انتباهنا بحثهم المضني عن شخصيّة حكيمة ورصينة لاتفرّق بين صفوف المواطنين ولا تحمّل البلاد مالا طاقة لها به ومن بين هذه الشهادات كانت شهادة الأستاذة قمر بن دانة التّي أكّدت لنا : إن التواصل مع الشعب ليس وصفة إشهارية أو دعاية انتخابية، بل عملا دؤوبا متواصلا لفهم الحاجيات و تشخيص المشاكل و العقبات. كما يجب أن يهتم الرئيس بجميع الشرائح الاجتماعية، حيث لم يعد التونسيون و التونسيات يثقون في الوعود، بل إنهم ينتظرون إشارات تنمّ عن احترامهم.
إن عادات الوعظ، و ادعاءات تملك الحقيقة وخطابات التميز التونسي لم تعد صالحة للتونسيين. فيجب على رئيس المستقبل تقديم دلائل ملموسة تثبت أنه يدافع عن مصالح المواطنين و المواطنات كأفراد وكدولة.
الرئيس المسؤول صاحب اليد  النظيفة


مع تغوّل النّظام السابق وتفننه في اهدار المال العام أصبح للتونسيين و للجامعيين رغبة ملحّة في تشكيل صورة ناصعة لرئيس دولة يحترم عائدات الدّولة وأمانة المال العام، تقول الأستاذة سهى التميمي : من المستحسن أن نستطيع القيام بفحص شامل لجميع الشهادات العلميّة للرئيس التونسي القادم كدرجة الدكتوراه وغيرها، ولم لا يكون هناك فحص شامل لما بحوزته من ممتلكات ومراجعة للمستندات الجبائية إذ لم نعد نتحمّل قصّة الحسابات البنكية للرؤساء في سويسرا ونحوها.

في حديثنا عن المال العمومي ما يحيل على عمل مؤسسات الدّولة واحترام المواطن دافع الضرائب وهو ما يكرّس لدى الجامعيين شعورا بحتميّة ظهور رئيس مسؤول بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى فتحمّل المسؤولية حسب بعضهم هو ابتعاد عن الفوقية المبالغ فيه ونأي بالذّات أيضا عن خطابات الشعبوية والتواضع المزيّف ونحوها من ممارسات شهدها التونسيين مؤخّرا في تعاملهم مع المشهد السياسي العام والمشهد الرئاسيّ بشكل خاصّ.

تقول الأستاذة قمر بن دانة : يجب على الرئيس المقبل أن يكون أكثر انتباها للمشاكل الملموسة، وأن يحترم المؤسسات العمومية، والتقليل من الظهور، و أن يكون ضامنا لاستقلال الدولة وقادرا على التأثير على قرارات الحكومة المقبلة التي يجب أن يتعامل معها، و أن يكون على قدر المسؤولية التي أوكلت له بحثا عن التوازن المنشود.
خلاصة القول، أنتظر من الرئيس المستقبلي للجمهورية أن ينعش في الآن ذاته وظيفته وصورة الدولة وأن يعيد ثقة المجتمع في السياسيين.
وهو ماا يؤكّده الأستاذ عبد النّاصر الكريفي من جهته : يجب أن لا تتعارض صلاحيات رئيس الجمهورية ممثّل الدّولة التونسيّة مع الدّستور ويجب عليه أن يتحلّى بالنّزاهة وأن تكون له قراءة صحيحة للمستجدات سواء على المستوى الوطنيّ أو الاقليميّ.

تبدو ملامح رئيس الجمهورية في أذهان الجامعيين صورة مزركشة تحمل بين ثناياها خصالا متنوعة ومناقب كثيرة منشودة هي خلاصة تجارب سابقة وصورة مخيبة للآمال لرئيس الجمهورية و تركة من أخطاء كبرى ارتكبها رئيس سابق أو رئيس حاليّ وهي صورة تعبّر عن واقع عاشه التونسيون و يعيشونه في علاقة بممثّلهم في الدّاخل والخارج إذ نجد من بين هذه التمثلات ما يحيل على عمق في التصوّر ومن بينها الآخر ما يعكس بحثا عن المظهر الخارجيّ لرئيس التونسيين ومن الآراء المشكلّة حول صورة الرئيس التونسيّ القادم ما يقف أمامه السامع منبهرا وما يفاجئ ويصدم ولا يفوتنا أن نشير إلى أنّ صورة المرأة الرئيسة لم تكن حاضرة في أيّ اجابة من الاجابات التّي تحصّلنا عليها ولكن يبقى الجامعيّون وفق ما قمنا به من استجوابات في نهاية المطاف متفائلين بمستقبل أفضل للجمهورية التونسيّة .
سميّة بالرّجب  







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire