dimanche 29 janvier 2012

ناطح السحاب


  


 تهالك على كرسيه الاسود ضاحكا..بينما استغرقت عيناه المليئتان سخرية في توجيه نظرات شزرة الي..

   كان الرجل المتانق يحملق بي بازدراء و ذهنه الملوث يصول و يجول فتوسطنا الصمت جدارا بينما اخذ كل منا في قراءة افكار الآخر مذعنا لهدوء ممل...نفخ الراسمالي في سيجارته العملاقة لينطق قائلا :
"اذا انت عربي ؟".
    و اخيرا لفظت شفتاه كلماتها الاولى..لكن سؤاله كان مليئا بالتملق فاجبته على ما تقدم من سؤاله الاجوف مرتبكا :

"انا فعلا كذلك !".

   فجاة نهض الرجل عن كرسيه الضخم و قد علت وجهه دهشة غريبة غطت كل ملامحه حتى توارت عن ناظري ابتسامه الساخرة و بادرني بالقول و هو يحرق حشاشة سيجارته البنية :
"يبدو انك اخطات العنوان..اتساءل عن ما قد ساقك الينا ؟".

ارتجفت اوصالي ورعة و اكتنفني العرق فاحترت في الرد و تدافعت الاجابات في ذهني فاجبت و الحيرة تعصرني :

"الظروف..الظروف تسوقنا اليكم يا سيدي..الظروف وحدها هي التي تجبر شابا مثلي بان يحمله الطموح اللعين الى مكتبكم ".

   بدوت في فوضى الكلمات ساذجا..اقطر غباء و سخفا بينما حملق الرجل بي ليبدي شيئا من الاعجاب و هو يزيح عن نافذة مكتبه ستائرها :

"ارى انك تجيد لغتنا جيدا".

لا ادري ما دعاني الى الارتياح الى قوله ذاك و لكنني سارعت الى محاورة اعجابه قائلا :
"عرف عن العرب حبهم للغات و الترجمة".

و لم البث ان رايت الرجل يستدسر الى وجهتي قائلا :


و ماذا تعرف عن العرب حتى تقول ما قلت ؟"

-اعرف..انهم اهلي و مسقط راسي و ارضي التي احب
-ماذا ايضا ؟!
-العرب تاريخي..جذوري و حضارتي..

   رفع الرجل يده الى ذقنه مداعبا اياها و هو يحدق بي باستخفاف و كانه يمعن في ما جاء من كلمات على لساني و خطى بضع خطوات امامي ثم التفت الي و هو على حاله تلك يلامس ذقنه و يضغط على عينيه فتبينت في بؤبؤيه امرا يريد ان يسر به الي لولا تردد احاط به فعمنا صمت رهيب..

    تناول الرجل قداحته الثمينة و اخذ يقلبها بين يديه في تان و في حركاته المملة تلك وجدت الزمن يعبرني و يهيج اعصابي لاتململ في مكاني مصطبرا..

    لم يبدو على صاحبنا توتر او قلق اما انا فكنت كالمجنون اذوب غيضا و مللا لادرك في الابان الفرق القائم بيننا و بينهم في عصر التهمته الصراعات و ضيعه الدمار و الالم..
تنظر الى الرجل فتشعر بثقته العالية بنفسه و تتامل هياته و هندامه فترى فيهما وقاره و لمعانه  و تلمح بين طياتهما سر نجاحه و تميزه في الحياة و تفوقه في عصرنا الكئيب هذا..

    و تواصل الصمت..
لم اشعر لحظة جلوسي في مكتبه الفاخر سوى بحاجة ملحة للبكاء احباطا و لم اكن اشك ابدا في قدرة الرجل على التلاعب بى فهو و لا ريب يجيد اللعبة جيدا..اللعبة التي لقنه اياها الاجداد ليحمل في صدره آية وحيدة للنجاح صنعتها عقولهم الماكرة. 
< كن ذئبا كي لا تاكلك الذئاب>.

    لحظات تجرها لحظات و نحن في ذاك المكان لا نبرحه و لا نحرك سواكنه..خلت انني سامضي دهرا اتامل الرجل و روحي بما اراه منه تتقلب على الجمر و تفيض باحزانها لكن الرجل اخيرا اشفق قائلا :

"جيد..يبدو اننا بدانا نتوصل الى تحقيق اهدافنا المترقب نتائجها ربما لن تصدقني اذا قلت لك انني معجب بتشبثك بجذورك و حضارتك و الجواجز والمعرقلات فلم اعد ارى سواها رغم ما تدعونه بان الحضارة لا بد لها من قرين هو التاريخ على ما يبدو..
ليس مهما..لقد رايتم بامهات اعينكم كيف تبنى حضارة من عدم الزمن فلا حاجة للتمادي في تصديق هذه الكذبة الكبيرة و الايمان بتاريخ لم يعد له وجود الا في اذهانكم الجوفاء معشر العرب!". 

  
 بدا الرجل لعينا يحط من قيمتي و يحبط من طموحي و انا الذي انقذت اليه ككبش فداء..غروره الذي اجتاح بصره و بصيرته افقداني القدرة على الاحتمال فما تلفظ به كان دليلا واضحا على ترفعه المشط فرغم انه البطل هنا الا انني لم استطع ان ان اغفر اهاناته و قوله المسيء لاحس لاحقا برغبة كبيرة في النهوض عن الكرسي و الانصراف فحسب..و احسست بارتجاف يدي و هما تلامسان طرف المكتب اللامع..

    هممت بالمغادرة و في ذهني تصادم عنيف لآلاف التساؤلات المجنونة فلا امل يلوح في الافق لمستقبل لي في هذا المكان و لا حتى في اي مكان آخر من ارض الحضارة الحديثة على حد تعبير الرجل الاخرق..

سارعت الى الخروج فاستوقفني الراسمالي قائلا :

"الى اين؟".

فاجبته و جسدي ينضح عرقا و قد انهارت صروح آمالي :

"ساعود".

فرد الرجل في ازدراءه المعتاد قائلا و هو يشير الي بطرف اصبعه :

"ليس بحل ما قررته الآن يا هذا..انتظر لم لكمل كلامي معك بعد!".

- شكرا لا بد من العودة..
- فهمت..يبدو انني آخر الابواب التي قصدتها حتى الآن ..لكنك لا تختلف عن قومك في شيء.
- ماذا تقصد؟؟
- ما ان واجهتك بالحقيقة حتى قررت الهروب و غرست راسك في الرمال.
- ................................!
- لعلك تتساءل الآن عن سبب تشددي معك و نحن ما نزال في لقاءنا الاول على ما اظن؟
- بل سيكون الاخير..
- و لماذا تحكم على احلامك بالضياع اذا كنت منيت النفس بان تجدها هنا.
- لقد تبخرت
-ليس فعلا..لكن العرب كانوا دائما و ابدا رافضين للهجاء محبين للمديح و التفاخر بامجادهم الغابرة.
- لست اهلا لسماع مزيد من الاهانات..
- لكنني اسر اليك بحقائق لا غير..

   لم اعهد في حياتي قط رجلا بمثل تغطرسه و لم اسمع كلاما قاسيا ككلامه ذاك..كل ما كنت افكر فيه هو الرحيل لكنني لم ار بدا من الهروب فققررت مواجهة الرجل قائلا :

"تتكلم عن الحقائق و انتم تصنعون من الرياء حقائق زائفة ".

فربت الرجل على كتفي و قال :

"آه عزيزي الصغير!..متى ستفهم لعبة هذا العصر؟..الزمن لا يرحم المتخاذلين امثالك..يجب عليك ان تسعى لافتكاك الحقائق التي تريد لا ان تنتظر الزمن ليواجهك بها..هكذا نحن منذ النشئ نحب التلاعب بالزمن لا تلاعبه بنا.."

- لكنكم تواجهون التيار..
- بل نجاري الوقت كي لا يقطعنا شطرين..
- تسيرون بعكس عقارب الساعة.

فجاة صمت الرجل و قد علت ثغره ابتسامة بغيضة فاطفا سيجارته و قال محتقن الوجه :
 
"بل انتم من تسيرون بعكسها..علمتنا حكمة المؤسسين ان لا نلتفت الى الخلف ابدا لانه ما من خلفية لنا لقد اعتدنا النظر الى السحاب ولم نكن لننظر تحت نعالنا كما تفعلون.. فمن ينظر الى الارض يقتل طموحه في اديمها ".

استولى علي الغضب فبادرته بالقول مشحونا بحميتي :

"من الغرابة ان ترى شجرة دون جذور تمتد الى عمق التراب !".

- بل شجرة معلقة بين السماء و الارض تلك هي حضارتنا و من يته في شعابها لا يفكر مطلقا في ارض و لا اصل فليس لنا من اصل واحد للحضارة بل تتوه حضارتنا وسط الاصول حتى لا تجد بينها اصلا يقدمها كهوية الى عوالم التاريخ التي تعشقون..
نحن لا نحب التاريخ فهو غابر..غابر..غابر..
نحن نركض وراء الآتي و نشيد صروحا تعلو شامخة حتى تناطح السحاب و لم لا نقنع بما قل ودل فالقناعة ليست كنزا كما ترددون لكنها في نظرنا ما يحبط الاعمال و يواريها الثرى..
  
    تبين لي من خلال ما طرق مسمعي من كلام الرجل ان الزمن بات شبه حصالة او ربما بورصة نوظف انفسنا فيها اسهما كي لا نخسر معركة مع الجشع وربما كان لا بد لي ان اقصد هذه الوجهة منذ زمن بعيد لاعرف في اي موقف تتسمر قدماي..تشابكت في ذهني الامور و بت مترددا بين البقاء و الرحيل..

    النداء الغريب القادم من اعماقي يجبرني على الخروج اما في الجهة المقابلة فكان الطموح حاملا عصاه يوجه ايضا نداءه "ان ابقى لم يعد من مفر لك سواي".

تجاذبني النداءين و باتت الحرب  قائمة على قدم و ساق بينهما داخلي بين طموح شرس و كرامة عنيدة فلم يعد لي ما اضيف سوى ان احمل آمالي المحطمة نعوشا و اقع باكيا خارج صرحه الشامخ الذي ناطح السحاب و كاد يخترق طبقة الاوزون..

و مضيت اجر اذيال الخيبة ورائي فقال الراسمالي ضاحكا :

"اما ان تكون عبدا للظروف او ان تبقى سيدا عاى الفقر!فايهما تختار؟".

فقلت و الخمى تنهش جسدي المنهك :

"قادني القدر اليك ليجعلني عبدا لك لكنني افضل ان اكون سيدا على نفسي فهل تعضب؟".

فجفت ابتسامة الرجل و عاد الى مكتبه الفاخر ليلقي بقدميه الى احدى ضفافه متقاطعتين قائلا :

" تقتطعون تذكرة السفر من جلودكم لتاتوا الينا فاذا ما وجدتم مطلبكم لدينا وليتم مستكبرين و هذا لا عمري ليس بمنطق يفقه".

فقلت مصدوما :
"لاننا لا نحب اذلالاكم لنا !".

- لو تحققت من نفسك و قومك و ارضك لعرفت في اي درك ترقد كرامتك.
- لا افهم لماذا تصر على خلق صراع فيما بيني و بينك قد لا ينته.
- ليس الصراع بينكو بيني 'صغيري' بل هو صراع بين حضارتك القديمة الغابرة و حضارتي الحديثة التي لا ارى سواها رمزا لحضارة ناجحة.
 لم تخلق الحضارات للصراع بل للتعارف اذ يقول الله عز و جل في كتابه الكريم :     -

*و خلقناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا *
صدق الله العظيم



لم اكد انهي تلاوتي لآية من آيات الله حتى تلون وجه الرجل و اشحوحب فعلته صفرة غريبة و امتلات عيناه شررا ليهب الى معالجة ازرار الهاتف امامه ساخطا :

" الامن..اصعدوا الى مكتبي فورا امسكت للتو بارهابي عربي مسلم ".

فلم ازل في ذهول من فوله حتى رايت بين يديه مسدسا يوجه فوهته الى راسي فارتعدت فرائصي هلعا واردف الرجل وسط نوبة من الجنون :

"لا تاتي بحركة و الا افرغت رصاص المسدس في راسك هذا..عرفت منذ البداية انك ارهابي ".
فصحت به فزعا :
"لست ارهابيا..لسته!!!".

    ادركت ان الرجل جاد في عزمه على قتلي ..فلاى اي درجة وصلت نقمقهم؟ و الى اي حد باتت ديانتنا السمحة الوسطية تخيفهم؟!و ما الذي جعلهم يجمعون عروبتنا و اسلامنا بالارهاب ؟!

جملة من الاستلة تبادرت الى ذهني ممزقة بالخوف ..

    فجاة سمعت اصواتا لرجال الامن و هم يركضون في البهو فدفعني شيء من الفزع لمقاومة سلاح الراسمالي و سبابته مازالت ضاغظة عاى الزناد لتنقلب الموازين كلها فلم نكد في شجار يقاوم احدنا الآخر حتى دوى في المكان صوت طلق ناري..


سمية بالرجب


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire