mardi 31 janvier 2012

فسيفسائية المشهد و توحد الاتجاه


            قد تقف اليوم موقف المطالب بالإجابة عن أسئلة  قد تكون  سبيل  خلاصك من التقوقع  و الحيرة في  ظل تحولات عصر متقلب المعالم و الملامحٍ  لتجد نفسك قبالة صيغ استفهام محيرة : من أنت ؟   ماذا ترغب أن تكون ؟ و أي أفق رسمت  لتحقق هذه الرغبة القائمة في ذاتك؟,ٍ قد تتأمل اسمك ولقبك المسجلين في مضمون الولادة , قد تسترق النظر إلى بطاقة التعريف خاصتك لتحفظ  الأرقام الثمانية المكتوبة على سطحها أو ربما   ستحاول أن تعطي نبذة عن سجلك المدني و بعض المعلومات عن سيرورة حياتك اليومية و لكنك حتما لن تجد الإجابة عن هذه الأسئلة فيما تقدم لان سطحية الحلول المتبعة للإجابة قد تقودك إلى حيرة اكبر لتتساءل في خضم تخبط التعاريف المحتملة  في ذهنك نفس الأسئلة :

من أنا ؟ ماذا أريد أن أكون ؟ و ماذا يجب أن اصنع حتى أكون ما أريد ؟

إن في بحثنا المتواصل عن  هويتنا ما يعزز جنوحنا الدائم إلى التشبث بأبسط تفاصيلها و كأن الحقيقة التي جبلنا عليها تأبى أن تكون إلا ملكا لنا و كان ثقافة الٍعرف في ربوعنا تتشكل كل لحظة حسب ما تركته فينا أكثر من عشر حضارات  مختلفة متباعدة متقاربة  حطت برحالها على ربوعنا و عمرت لها أوكارا بينا حتى تفرز في أعقاب رحيلها المتعاقب و المتواتر عنا لذة امتدادها فينا ..
يتساءل الكثير  منا  هذه الأيام  و ربما كان لاصطدام وجوهنا  بصفحة المرآة  ما يدعو إلى ولادة سؤال الهوية  ذاك   لتأرجحنا الحيرة و تخامرنا الأسئلة متشعبة الرجع : ٍ

 أي الملامح نحمل اليوم ؟؟
 هل هي ملامح الو ندال أم ملامح القرطاجنيين أم ملامح  البيزنطيين أو ربما هي ملامح البربر  أو لعل فينا شيئا من  ملامح الروم أو الأسبان أو الأتراك  أو ربما هي ملامح العبادلة الذين أناروا هذه الأرض الطيبة بنور الإسلام و مهدوا بفتوحاتهم طريقا إلى تسلل ملامح العرب المسلمين  من  أغالبة و أندلسيين          و فاطميين و حفصيين  و موحدين اليوم  إلى وجوهنا لنبيت رغم التنوع الحضاري عربا و مسلمين..

نتساءل دائما :
من نحن ؟
هل نحن أولئك أم هؤلاء ؟
الإجابة حتما تكمن في تصفحنا لأكثر من 3000 سنة من التاريخ و تأملنا  لقسمات وجوه متخيلة أو تماثيل فريدة تجسد أجدادنا القدامى منذ عهد  حنبعل و ابن خلدون و عقبة بن نافع و خير الدين ٍٍٍٍٍٍٍٍ وصولا إلى  أبي القاسم الشابي و الطاهر الحداد ,ٍفغالبا ما نعود بالخلاصة التالية و كان الحقيقة الفسيفسائية لا تقبل أن تتفتت فينا لتجعل من هويتنا هوية مزركشة المعالم عبقة بجزئيات الماضي و الحاضر معا  لٍنستبطنها دون سابق   وعي بكينونتها أو مرجعياتها  لكننا ندرك أنها متجذرة في أعماقنا ..

هوية تنأى عن التشتت إلى ما سواه ..هوية تولد معنا و تشب فينا فإذا طالت فروعها و امتدت جذورها  داخلنا احتضنا هذا الواقع و نمقناه و شكلناه مماهاة لروح العصر المتسارعة حتى لتبدو حياتنا اليومية مجرد تسلسل طبيعي  لما تعاقب على أرضنا من حضارات بل امتدادا لما تركته كل حضارة من بصمات خالدة  لندرك في الإبان بان الأيام قد نحتت ملامحنا بما خلف الجميع  و كأنها ترسم هويتنا تلك كما ترسم مياه البحر اوشامها الجيولوجية على صخور اليابسة و أننا نتكور و نتبلور و نتغير اليوم و نعيش حيرتنا الممتعة  لأننا ندرك في العمق أن حس الهوية أقوى من تعدد و اختلاف الحضارات لأننا نعتنق في العمق و لا ريب  هويتنا التونسية.

ببساطة نحن كل أولائك..نحن هؤلاء..و سنكون أيضا سلفا للقادمين و ما قدم من بعدنا سيكون سلفا لما تلاه و هكذا .. لكننا نزول و لا تزول الملامح أبدا ..فرغم عولمة الزمان   و توحد الأرض تحت راية المكان الافتراضي  و ثقافة التواصل عن بعد , تشعر دائما و أبدا بأنك تونسي لغتك العربية و دينك الإسلام و شعارك المساواة و الحرية و النظام ..تولد تونسيا لتموت كذلك ٍفرغم التوق المجنون للكثيرين إلى الهجرة و البحث عن أوطان أخر يسكنونها إلا أنهم يبقون دائما  و  أبدا ما جبلوا عليه .. تونسيين حتى النخاع.ٍ



و لا نكف عن التساؤل ؟؟
لان  السؤال الذي تسكنه طروح الهوية يبدو أيسر بكثير من ذاك الذي تحاصره الرؤية المستقبلية لأجيال تجيء لتتحمل أعباء الهوية الفسيفسائية ظاهرا و المتوحدة في العمق ..أجيال تمتطي ركب الحضارة و تروم التطلع إلى التحقيق و الانجاز,   باختصار ..إلى تحقيق الحلم.
انه و لا ريب سؤال :
ماذا نريد أن نكون ؟؟

لطالما راودني هذا السؤال إذ لا يعدو أن يكون حلقة الربط بين ماضي و حاضري و امتدادا لآفاق مستقبلي ..مستقبل وطن ..مستقبل امة ..
السؤال المدجج بالطموح هو تسلسل طبيعي لحكمة الماضي التي استقيناها و مناعة الحاضر  و يفوع الرؤية الجريئة لدى كل شاب تونسي  فإذا خبرت انك تتحمل اليوم أعباء الحفاظ على هذه الحلقات الثلاث, الماضي و الحاضر و المستقبل , صرت مؤمنا  بثوابت أرضك : ٍ
لا بد أن تعيش داخلنا المبادئ التي نشانا عليها صغارا تلك التي ضمنت للغة الوطنية مكانتها و للجنسين مساواة و تكافئا و للاجتهاد و العلم مكانة و حضورا ..لا بد لنا أن نحتمي بقلاع الهوية التي بناها الأجداد و حفظها الآباء وٍٍٍٍلا بد أن نكون ما نحن عليه لا ما تريدنا العولمة المتلاعبة أن نسير على خطاه دون دليل ..دون أن نهمل طبعا دواعي ٍ التطور و الحداثة .
 فلا يخلو الأمر من أن تبني  لنفسك فوق قلاع الهوية صروحا تطّْلع عبرها إلى ما يحدث من حولك حتى إذا رأيت قطار الحضارة ركبته و انتهيت إلى كل محطاته و تركت خلفك ما يعيقك عن اللحاق به  أو الصعود إليه ..
نحن اليوم نحاول أن نرتقي بما نحن عليه و نطمح إلى أن ننير دروبنا و دروب أجيال تجيء من بعدنا بفكر خلاق و مبادئ ثابتة لا نحيد عنها فيحيدون ..
نحن نريد أن نكون ما وصل إليه غيرنا ممن سبقنا في فهم متطلبات العصر و حذق لغة التطور  و اعتصم ببواطن الهوية و أيد روح الاعتزاز و الفخر بتاريخه و جذوره فرغم تشرذم حضور معالم التقاليد  في الحياة اليومية من لباس و مظهر  إلا أننا ما  نزال نحتضن تقاليدنا و نفتخر بتجليها بيننا  في كل  مناسبة بل في كل شاردة و واردة .

نحن نريد أن نصبح منارة تضيء عالمنا و امة  تشهد لها الأمم ببرقيها  و يفوعها و صلابة جأشها و رؤيتها الثاقبة على ضيق رقعتها من الأرض لا امة تسير في ظلام الجهل و التخلف و تغيب في غياهب الانحلال    و الجمود  و العصبية و الميز .
تتلاطمنا  هذه الرغبات  الملحة كل حين  و تراودنا الأحلام دائما بان تجيء تلك اللحظة  المخملية  اعني  لحظة الانجاز متجلية في أبهى الحلل مجللة بالتطور و الازدهار عبقة بروح العصر .
بيد أن طبيعة  الحلم  قد تبدو ٍاقرب إلى  الوهم منها إلى الواقع في غياب العمل و البذل و شح صاحب الحلم بالعطاء و الجهد لذلك لا بد لنا أن نساير  قافلة الأسئلة ثانية ليحل السؤال الأصعب مراسا :

كيف يمكن أن نحقق كل ما نطمح إليه ؟؟

ستكبر بك الأحلام ثانية لكنك ستعلم انك رهين امتلاكك لما بين يديك فان كان كفّاك بما وسعا من طموح بقادرتين على احتواء بريق حلمك الجامح فهب انك تواجه اعتى التحديات في عصر محركه الأساسي المعلومة و قاطرته التكنولوجيا و فضاء التبادل الاقتصادي و الثقافي فيه أكثر امتدادا إذا لم نبالغ من فضاء تواتر الأفكار داخل عقولنا و ما دمت قد لقيت من عصرك سرعته تلك, وجب أن توازيها بسرعة البذل و التمثل الأفضل لما يجيء بعيد هذا النسق المتسارع و استقراء مستقبل تموقعك في لجج عصرك المتحول برسم استراتيجيا الواقع ٍ.

 ٍو حتى لا يرحل قطار التقدم دوننا لا بد أن نجيد  استعمال أسلحة العقل الذي هو ثروتنا  و أن نوظف ذكاءنا الطبيعي لارتياد فضاءات الذكاء الاصطناعي و نأخذ على أنفسنا عهدا بان لا نترك مجالا من مجالات التطور في عصرنا إلا واكبناه و وطئناه و هيأنا بولوجنا إليه أرضية مناسبة لخلفنا ..
تلك الأجيال التي تنشا اليوم على وقع التطور التكنولوجي و تدخل معمعة الثقافة الافتراضية من أوسع الأبواب و كفى بالشبكات الاجتماعية  على صفحات الواب دليلا على ما ينتظرنا من تحديات الرقمنة و الانفتاح التكنولوجي الذي هو عماد كل انفتاح على مختلف المستويات في عصرنا الراهن .ٍٍ
  
 نحن الآن نخطو خطوات جريئة  و نكاد نقترب من كنه التطور الحقيقي أي التطور  المدروس  أو نكاد ٍ    و حتى نحافظ على هذا المسار و حتى لا تتقطّع بنا السبل بعد أن خبرنا في أنفسنا كل هذه الثقة و الثبات   و سلكنا هذا الطريق المعبأ بالحواجز وجب على كل  تونسي اليوم أن يعلم أي الاتجاهات يسلك بل عليه أن  يجيد  لغة العصر بكل ما تحويه من صعوبات و يؤمن بملكاته و قدراته إيمانا راسخا  حتى يتمكن من قفز كل تلك الحواجز بمزيد من العزم   و الإصرار لبلوغ الأهداف المنشودة .
 إن متطلبات الأمة الواعدة و الصاعدة تفرض على كل تونسي  أن يعزز انفتاحه على الآخر بتكريس ثقافة التسامح و الاعتدال و التبادل الايجابي للخبرات و المعارف  و نبذ التعصب و الانغلاق  بل لا بد له من  التشبث بقضاياه المصيرية  و تقديم المصلحة الجماعية  على المصلحة الفردية .
ولا يخلو الأمر من  الاهتداء  بحكمة الأجداد  و جرأة  المؤسسين و المناضلين في بلادنا التي لقنتنا- دون شك - تعاليم  السعي لطلب العلم  و مجاراة إرهاصات العصر و فتح أبواب الخلق و الإبداع و الفكر على مصرعيها وصولا إلى تحقق مجتمع المعرفة .ٍ
وجب علينا إذا أن نثبت داخلنا اعتزازنا بهويتنا التي هي ضمان استمرارنا و أبرز ركيزة من ركائز خصوصيتنا و تميزنا بين الأمم مهما تمادت ثقافة الهيمنة في إلقاء أضواءها الخادعة على ثقافات العالم لتشوه رونق عراقتها و تشبع معالمها بأنفة التاريخ ٍ.
ببساطة علينا أن ننظر إلى الكون بمنظور الراغب في الأمر المصر عليه بل الباذل من أجله لا بمنظور الراغب في الأمر و الراغب عنه و العادل عن بلوغه.
 الأسئلة الثلاث الآنفة إذا ليست اختبارا لمدى فهمك لذاتك أو مدى خبرتك بتفاصيل حياتك اليومية أو وضعك الاجتماعي أو طموحاتك الشخصية , الأسئلة الثلاث أخي التونسي هي رجة طبيعية ترتادنا  حتى نعلم من نحن فعلا  و أي الأمم نريد أن نكون في ظل معارك التنافس و التسابق نحو خط التقدم و التحضر ..الأسئلة الثلاث أخي التونسي هي زعزعة حقيقية لصقل طموحك  و تعبئتك ضد الجمود و اليأس حتى تنال قصب السبق و تدرك لاحقا بأنك جزء لا يتجزأ من امة تعيش حاضرها باعتزاز  و تنظر إلى آفاق مستقبلها  بثقة و ثبات...
إذا دعنا أخي التونسي نحقق شموخ الحلم بإعلاء قمم الانجاز وكسب رهان التحدي ٍ .

                                                                                                            سمية بالرجب
                                                                                                          شابة تونسية  و اعتز  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire