mardi 24 janvier 2012

يا طلاب المد المد ..ضد الرجعي و المرتد


أروقة الإدارة و انتحار الزهور

 يتحدث الجميع عن المعتصمين، "هم يحتلون الكلية منذ أيام ، هم يدركون أن مطالبهم تشل حركة الدروس و تعترض طريق الطلبة لكنهم يواصلون اعتصامهم في الادارة، نعم في الادارة " يبوح لك أحد الاداريين ساخطا ..كانت الطرافة المبكية عنوان التعامل بين الاداريين و المعتصمين، تلج مقر العمادة و هناك تفاجئ بعدد من الأواني و معدات الطبخ أمام مصلحة المالية و تلتفت ذات الشمال لتعترضك الافرشة و هي تغطي جدران المكاتب، تقول آسيا احدى الموظفات بمصلحة المالية :" تحاورت مع المعتصمات من ذوات النقاب فأبين أن يفقهن قولي هن يعتقدن أنهن بتمسكهن بنقابهن داخل قاعات الدرس يحفظن حرياتهن الفردية لكنني أعتقد ان المسألة مختلفة ، إن كن يردن الصلاة فليذهبن الى المسجد و إن كن يردن العلم فليأتين الي الجامعة و ليحترمن نظامها الداخلي و قوانينها "،
في هذه اللحظة بالذات تباغتك الموظفة المسؤولة عن موزع الهاتف داخل الادارة لتشكو اليك من أوجاع رأسها القاتلة :"سئمت العمل وسط هذا الزاوية" .. لا قوة استطاعت ردع المعتصمين عن ترديد أغاني النقاب داخل الادارة ، تقول عايدة احدى الموظفات :" لا أدري الى متى سيتواصل هذا الوضع المزري  لا ننفك نتعثر بهم في الممرات و في الاروقة " بينما تتعالى أصوات المعتصمين :" الله معي ، الله معي " تعبيرا عن تشبثهم بميدأ اعتصامهم  ثم لا تلبث أن تسمعهم يهتفون  بين الحين و الآخر :" لا الاه الا الله و العميد عدو الله".
تهم بمغادرة المبنى لكنك لا تلبث أن تتذكر مشاهد الأواني في ممرات المصالح الادارية داخل مقر العمادة فتدوي في رأسك كلمات معينة التنظيف و قد ضاقت نفسها لكثرة الأوساخ التي خلفها المعتصمون الغرباء :" ربي يهديهم ،ربي يهديهم".
تحاول المرور بصعوبة  بين حشود الطلبة أمام ممر العمادة و تضيق نفسك بالتدافع و صعوبة الخروج من المبنى و على بعد ستة أمتار من الباب تفاجئك كثافة وسائل الاعلام و هي تأثث لنشرات أخبارها بالتقاط مادة اعلامية طريفة و جذابة، تستوقفك احدى الصحفيات :" هل من جديد ؟؟" .
 احساسك بتأزم الموقف يخنقك لكنك رغم كل ما رأيت تتأمل خيرا في حل ينتهي معه كابوس الكلية الى أن تصطدم بأستاذ يعلق مقالا مقتطفا من احدى الدوريات التونسية على المشكاة و وسط تجمع الطلبة الغفير لقراءة المقال تصدم للعنوان :" يمنعه والده من الالتحاق باعتصام منوبة فينهي حياته بطعنة سكين" .. "العربي الخميري" طالب سنة أولى انقليزية تكررت خلافاته مع ابيه بسبب مساندته لاعتصام المدافعين عن النقاب ، يؤكد "محمد "احد طلبة قسم الانقليزية  الأمر :" زميلي هذا كان يعاني من بعض الاضطرابات النفسية و قد تغيرت لهجته- رحمه الله- بعد حديثه الى المعتصمين و مؤازرته لهم " ،يوضح طالب آخر ساخطا :" لقد تعرض الى دمغجة أنهت حياته ".
يحمل الطلبة "المعتصمين" المسؤولية كاملة عن وفاة زميلهم بينما كتب الاستاذ الذي علق المقال في هامش الصفحة :" أي قضية هذه التي يموت لأجلها شاب في عمر الزهور" ، تستوقفك الكلمات لكن الأسف و الخوف يغمرانك في النهاية ..
مسيرة التأسيسي
يطل يوم الخميس و مع كل اطلالة شمس تتصاعد وتيرة الاعتصام ، يدخل عميد الكلية محاولا الصعود الى مكتبه في الطابق الاعلى للعمادة و لحظة لمحه المعتصمون صرخ أحدهم :" هذا قاتل العربي الخميري" تختلط عليك الامور .. و لا ترى سوى العنف عنوانا لدخول العميد و رفاقه من الاساتذة ، يقول العميد :" لقد عنف زميلي الحبيب أستاذ الفرنسية و منعت من الذهاب الى مكتبي و تعرض بعض الاداريين الى العنف المادي و المعنوي ، لقد وصلنا الى طريق مسدود ".

و بعد سويعات يأتيك الخبر اليقين ، جحافل من الطلبة يقصدون المبنى الابيض أين انتصب المعتصمون لتنطلق معركة " الله اكبر ..ديقاج (ارحلوا)" من جديد ، تشاهد المعركة الطاحنة في توترك المعهود  كانت أشبه بمعركة صفين في نسخة جديدة هي "نسخة  القرن الواحد و العشرين " حيث رفعت المنتقبات كتب القرآن الكريم في وجوه الطلبة من الذين جاؤوا على عجل مطالبين بإنهاء اعتصام وصفته احدى الطالبات صارخة في وجوه المعتصمين :" انها المهزلة" ، تقف بين الشقين المتخاصمين منبهرا لهذا المشهد الفريد لكنك سرعان ما تتأكد أن الاعتصام لن ينتهي بسهولة كما كنت تتوقع .. بسمات المعتصمين الباردة في وجوه طلبة غاضبين كانت تزيد  إحساسك بالخوف تجذرا ..
تنفلت من صمتك المعتاد لتجد أحدهم و قد ظن أنك من المعنيين بالأمر يناولك ورقة لترفعها الغرباء كتب عليها بخط غليظ :" Degage " . و في غفلة منك لا تلفي جمع الطلبة من حولك كانوا قد انصرفوا الى مسيرة بقيادة ناشطي الاتحاد العام لطلبة تونس قاصدين  المؤسسات الجامعية المحيطة بالكلية ،رائحة الغضب كانت تملأ المسيرة في الوقت الذي اهتزت فيه عروش الصمت داخل مركب جامعي تلهى طلبته بالتركييز على اجتياز امتحاناتهم .
" يا طلاب المد المد ..ضد الرجعي و المرتد" هكذا كانت تردد أفواه السائرين في المسيرة لتجد نفسك منجرا في تيارهم مساندا لتحركاتهم سائرا على خطاهم نحو باب حديدي آخر ، باب حديدي أخضر اللون و مبنى أصفر اللون و دعم مكتمل اللون ، لتصل بين أفواج الطلبة الى مقر جامعة منوبة هناك حيث استقبلت الجامعة أبناءها برحابة صدر و فتحت أبوابها على المصرعين لسيل عميم منهم لينتصب كمشكاة الكلية داخل مقر الجامعة ، تدخل ساحة المبنى معهم لترى بعينيك مشهدا فريدا لتعبير صادق عن حب خالص للمعرفة ، عن عشق لكلية صامدة منذ سنوات طوال :
" اننا طلبة ،طلبة لا حياد ،اننا طلبة، طلبة  لا حياد".
ينصرف الطلبة الثائرون في مسيرة حاشدة نحو المجلس التأسيسي لعلهم يجدون آذانا مضغية تأبه لأزمتهم أو تهتم لضياع أصواتهم الكثيرة وسط تعنت المعتصمين ..
تحاول أن تفهم المسألة بتأن المتابع للأحداث، تفتح الحاسوب علك تصطدم بقرار من وزارة التعليم العالي يدين الغرباء أو تصريح للناطق الرسمي لوزارة الداخلية يعلن فيه عن فك اعتصام مزق اوصال الكلية و شتت شمل ابناءها و تتذكر في الابان كلمات العميد :" أحمل المسؤولية للسلطات ، لقد فرط الأمر من بين ايدينا" ، تتصفح مستجدات الفايسبوك و هناك يعترضك مقال قصير :" قرر المجلس العلمي لكلية الآداب في اجتماعه الأخير بمقر جامعة منوبة اغلاق الكلية الى حين فك الاعتصام بها" .
،تملآ حلقك مرارة و تسير على غير عادتك دون وجهة ، تقودك قدماك دون أن تشعر الى الباب الحديدي الكبير للكلية لتتأمل مشكاتها المنطفئة و وسط تأملاتك لهدوءها الحزين و خواءها المر يفاجئك صوت منبه سيارة  يطالبك بالتنحي عن الطريق  تأهبا لدخول الكلية ، تسأل عم "عمر " الحارس فيقول لك : " يتواصل الاعتصام الـــــــــــــــــــى...".
سمية بالرجب

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire